أعلام في ذاكرة العمران

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أعلام في ذاكرة العمران, اليوم الأحد 20 يوليو 2025 01:01 صباحاً

أثناء انشغالي بترتيب أرشيفي الخاص كعادتي السنوية وقع بين يدي امتحان لمقرر 500 تعم: نظريات التصميم والتخطيط العمراني في جامعة الملك سعود للدكتور خالد العوهلي رحمه الله. كان الدكتور خالد أحد أبرز الأساتذة الذين وضعوا بصمتهم المتميزة في مسيرة تعليم التخطيط العمراني. اعتمد في تدريس المقرر على استعراض النظريات المتعلقة بالمدن ليس من منظور الشكل العمراني؛ بل من المنظور الاجتماعي بما في ذلك تناوله لقضايا المصلحة العامة، والمشاركة المجتمعية في صناعة القرار، والمرونة في التخطيط. تطرقت العديد من محاضراته لقضية المركزية في إدارة المدن والتخطيط المناصر لحقوق الفئات المستضعفة. كان يستعرض لنا عدة نماذج عن صياغة السياسات العمرانية القائمة على الهرمية من أعلى السلطة إلى الأسفل، وأثرها على المنتج العمراني. ويقترح إيجاد آليه للتخطيط القائم على الشراكة من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى، حيث يتم تقويم السياسات من خلال المجتمع.

تناول قضايا التخطيط المحلي الذي يتأثر في كثير من الأحيان بالنظريات والأفكار الغربية، وبالتالي محاولة «تقليد» تلك التجارب وإعادة بلورتها لتخدم المجتمع السعودي بديلا عن «صناعة» نموذج محلي قادر على الاستجابة للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. كان يؤكد على أن بناء قاعدة بيانات أمر هام للوصول إلى عملية تخطيطية ناجحة، والبيروقراطية أحد العوائق التي تؤثر سلبا على المسار الإجرائي في التخطيط العمراني.

أشار في كثير من المحاضرات إلى أن نظرة الجهاز التخطيطي تركز في كثير من الأحيان على الجوانب الفيزيقية، لا سيما في مشاريع التجديد العمراني التي تنظر إلى «الشكل العمراني» دون استيعاب الهياكل الاجتماعية والاقتصادية. وهو ما أفرز نسيجا عمرانيا يكرس الطبقية الاجتماعية ولا يستجيب للتنوع الاقتصادي. الدكتور خالد كان يشبه قضية «المصلحة العامة» بالرمال المتحركة؛ لأنها عنصر مرن ومتغير عبر الزمن، فقد تكون المصلحة العامة اليوم شيئا يختلف عن المصلحة العامة قبل سنة.

إن مفهوم المصلحة العامة يحمل في طياته عددا من المتغيرات المتناقضة. فهل نستطيع أن نلبي احتياجات ذوي الدخل المنخفض دون أن يؤثر ذلك على المستثمرين أو التجار؟ وكيف يمكن تمثيل المجتمع في مجموعات قادرة على التأثير في صناعة القرار التنموي وصولا إلى خدمة الجميع بلا تحيز؟ وكيف يمكن وضع خطة متوازنة في ظل وجود تضارب في المصالح؟ يأخذ النظام الديمقراطي بالأكثرية على أنه الحق؛ بينما يأخذ الإسلام بهذا المبدأ من باب الترجيح فقط، فرأي الأكثرية ليس بالضرورة أن يمثل الحق، فالشورى تؤكد على استشارة أهل العلم، وتقديم الأدلة، واستيعاب المصالح والمفاسد. إن بناء نموذج نظري في التخطيط يجب أن يتسم بالمرونة والقدرة على استيعاب المتغيرات المستقبلية، وهو ينطوي على درجه من عدم اليقين.

لا أبالغ بالقول إن الكثير من محاضراته كانت مصدر إلهام لي في مسيرتي العلمية، حيث لم أجد صعوبة في استيعاب مقرر النظريات حتى بعد إكمال دراستي في مرحلة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية. بقي أن أشير إلى نص السؤال وهو: «تعد قضية المصلحة العامة أحد أهم القضايا التي أدت إلى انهيار العديد من الأفكار النظرية في التخطيط، ولا تزال هذه القضية قائمة دون رؤية واضحة لكيفية التعامل معها. ما هي الطريقة المعيارية المناسبة لصياغة المصلحة العامة، والتي تتناسب مع مبادئ وقيم المجتمع؟» رحمك الله يا دكتور خالد العوهلي فقد وَرّثت علما يُنتفع به، ومثواك جنات الخلد والنعيم.

أخبار ذات صلة

0 تعليق