سفينة سوريا ومرسى السلام

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سفينة سوريا ومرسى السلام, اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025 09:44 صباحاً


منذ أن اندلعت الشرارة الأولى للربيع العربي على الأراضي السورية، حرصت المملكة العربية السعودية على أداء أدوارها الأخوية المتفانية، مستندة إلى حب وحياد ورؤية إنسانية تسعى لجمع أصالة التنوع السوري، المشتت بين التعدد المذهبي والديني والعرقي.

تنوع صعب الاحتواء، وفسيفساء إن لم تُراعَ باحترام وحكمة، فستستمر كمصدر لزيادة التشظي.

سنوات طوال بين محاولات رأب الصدع وتقريب وجهات النظر، بين تنازع وأطماع متعددة السلطات المسلحة المدعومة خارجيا، ما كرس الهدم والدموية والتشرذم والتهجير.

وقبل عدة أشهر تفاجأ العالم برحيل النظام القائم واصطفاف القوى الدولية خلف شخصية الثائر أحمد الشرع، مؤملين فيه أن يكون سببا لاستقرار وعودة السلام لأرض الشام.

لكن الفوضى لا تنعدم، بمجرد المصافحة الأولى، وسط تصدعات عشائرية عنيدة، وتوترات عرقية طائفية كردية بدوية درزية، مدفوعة بتدخلات خارجية، فانبرت إسرائيل توالي مصالح مخططاتها في الجنوب السوري، مبدعة في زرع بذور الفتنة تحت غطاء الحماية.

وهنا تعود السعودية وعواصم العروبة الشقيقة برؤية العقل، ومحاولات دؤوبة لصياغة حل لا يُستغل داخليا ولا يستدعي تدخلات خارجية تفتك بالهوية السورية الفخورة بكل تنوعها.

المشهد السوري اليوم ما يزال هشا، وعرضة للتشظي، ولا سيما بين المكونات البدوية والموحدين الدروز، بنزاعات دموية، تتغذى بهشاشة الواقع وتضارب الولاءات واستنفار الطائفية والتحريض.

وعجبا كيف ظهرت الفزعات، والتدخل الإسرائيلي على الحدود الجنوبية بتأجيج لا يمكن تجاهله، خاصة في تعامله الملتبس مع الطائفة الدرزية، بذريعة الحماية، التي تنتهك السيادة الوطنية.

وهذا رد فعل سيشجع بقية الطوائف للبحث عن حلفاء خارجيين.

وتستمر السعودية، ومعها الأشقاء العرب، في البحث عن حلول سلام وترابط لا تحتكر الانتماء ولا تقايض بالولاء، لإعلاء شأن الهوية السورية الجامعة، وإبعاد أشباح التقسيم والحد من التنازع، وتدوير الخصومات القديمة في أشكال جديدة أكثر تمزيقا ودموية.

لأجل سوريا الصامدة المرجوة الموحدة، لا بد أن تعلو أصوات الوطن على ضجيج الانتماءات، وأن تترجم الوطنية إلى الأرض بفعل وحدوي لا يخضع للميول ولا ينكسر أمام الضغائن.

العشم الدبلوماسي الدولي يتأمل من رئيس الدولة وحكومته المؤقتة توطين السلام والعدالة، وللتأسيس لدولة تحتوي ألوانها بالقدر والحقوق والمكانة نفسها، ومنع الطائفية من استلام زمام الأمور، واحتضان الاختلاف باعتباره مصدر قوة لا تهديد للوطن السوري.

الأوطان المستقرة القوية تبنى بقدرتها على استيعاب التعدد، يثري ويحفظ ويوازن مختلف أطياف الشعب.

والبطولة والنصر لا يكونا بالسلاح وفرض النفوذ، بل بالقدرة على التراجع عن العصبيات والغرائز العمياء الدافعة للفرقة، والاندفاع نحو التسامح والمصلحة العليا.

أيها السوريون، أنقذوا الوطن السوري من فخ العنصرية القاتلة، ودعوا الأديان للسماء، وحاربوا الاصطفاف المغلق هاضم حقوق الإنسان، ببوصلة شفافة تحمل الشعب برمته إلى وطن لا يقاس بموازين الخارج، بل بنبض وضمير أهل الداخل وتاريخهم.

سوريا اليوم لا تحتاج وصاية، بل تحتاج نضجا شعبيا جماعيا، يرنو إلى وطن فريد يستحق أن تحميه أرواح شعبه، تعايش وانتماء وتضحية عميقة، وحكومة متفانية تدرك هذا العمق حقيقة، وتستطيع قيادة سفينة سوريا إلى ضفاف السلام.

shaheralnahari@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق