النصار نموذج معرفي ينعش الأمل

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
النصار نموذج معرفي ينعش الأمل, اليوم السبت 20 ديسمبر 2025 10:57 مساءً

في الوقت الذي تكالب جمهرة من الناس على إضفاء ألقاب وهمية على ذواتهم، فأخذوا يلقبون أنفسهم بألقاب أكاديمية واجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان، يبرز في المشهد خالد النصار ليخط بأمانته واجتهاده طريقا صحيحا عجز الآخرون عن السير فيه بأمانة وجد واجتهاد.

عرفت المهندس النصار قبل عدة سنوات حال تواصله معي هاتفيا مستفسرا ومناقشا حول بعض القضايا العلمية التي تخص رسالته العلمية للدكتوراه في جامعة غلاسكو باسكوتلاندا، ثم كان أن زار مدينة جدة والتقينا، فكانت المفاجأة في حينه، إذ لم ألتق بشاب أو رجل في مقتبل العمر، وإنما رأيت رجلا ناضجا مكتملا في معرفته وتجربته الحياتية، وعرفت أنه متخرج من الولايات المتحدة بدرجة البكالوريوس والماجستير في الهندسة قبل عقود من الزمن، غير أنه أحب أن يدرس فلسفة العلوم الإنسانية وأراد أن يكون ذلك وفق ما يجب، وأن يحصل على الدرجة العلمية وفق مسارها الصحيح وليس العبثي الوهمي. وكان له ما أراد، فدرس الماجستير ثم الدكتوراه اللتين أنجزهما بجدارة وكفاءة عالية، وحصل على الدرجة مؤخرا، وأسعدني بصورة له وهو يستلم الشهادة لابسا روب الجامعة الأنيق، في حفل جامعي كلاسيكي باهر.

والحق أقول فقد فرحت له كثيرا، على أني رأيت فيه نموذجا للإنسان الصادق مع نفسه والأمين عليها وعلى وطنه أيضا، الذي كان بإمكانه أن يكتفي بالقراءة والبحث والكتابة ودون أن يرهق نفسه بالدراسة المنهجية المستحقة، في جامعة هي من أعرق الجامعات وأصعبها، لكنه فعلها، ولم يستجب لهمزات الشياطين ممن اقترحوا عليه أن يحصل على الدرجة وهو في بيته من كثرة كاثرة من الجامعات الرديئة والوهمية، أسوة بغيره ممن امتلأ بهم مشهدنا المعرفي للأسف الشديد.

على أن فائدة أخرى في حكاية الدكتور خالد النصار يمكن الوقوف عليها، وهي أنه لم يفتئت دون معرفة منهجية على تخصص آخر، كما هو حال عديد من المفتئتين على مشهدنا المعرفي، والذين ودون دراسة منهجية باتو يفتون في عديد من القضايا سواء دينية أو تاريخية، والأعجب أنهم صاروا رموزا على الصعيد الجماهيري ودون أي تأسيس منهجي، فكان خطؤهم أكثر من صوابهم.

على الصعيد العلمي فقد أثبت الدكتور النصار أن تلقي المعرفة لا حدود عمرية لها، وأن العلم هو الكنز الثمين الذي لا يغلق بابه، وهي رسالة لمختلف جامعاتنا الوطنية التي تربط الالتحاق بها بعمر زمني محدد، وتناست أن دورها كامن في تقديم المعرفة وفق أسس منهجية، وليس تخريج موظفين وعاملين في قطاعات المجتمع الرسمية والخاصة.

أشير إلى أن ظاهرة الألقاب الوهمية قد استبدت بنا في العقدين السالفين على الصعيد الاجتماعي، وجميع أولئك قد حصلوا على تلك الشهادات الوهمية مقابل مال مدفوع، وزاد عليها اليوم ظاهرة التكريم من جهات خارجية مقابل مال مدفوع أيضا باسم مصاريف إدارية وغيرها، على أن أكثر ما يحيرني أن أرى شخصية ناضجة لا تحتاج للقب وهمي، لكنها قد وقعت في فخ الوهم والتزوير المنهجي، أو شخصية معروفة بعلمها المنهجي السليم تستجيب للتكريم من جهة مجهولة ومقابل مال مدفوع، حقا الأمر يحتاج إلى دراسة اجتماعية نفسية معمقة، وليت المتخصصون يكشفون لنا خبايا ما نحن فيه نفسيا واجتماعيا.

أخيرا، أجد من واجبي أن أشكر بكلماتي هذه الدكتور خالد النصار، وحتما فالبلد فيها الكثير من أمثاله ممن لا نعرفهم، وهم النموذج المعرفي الذي ينعش الأمل بالتأسيس لمجتمع منهجي مؤسس على قواعد متينة وثابتة، فطوبى لهم أينما كانوا حاضرا ومستقبلا.

أخبار ذات صلة

0 تعليق