مدن الشرقية أنموذج يحتذى

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مدن الشرقية أنموذج يحتذى, اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025 11:19 مساءً

عادت ذاكرتي لاستحضار شفاعتي بالصديق الدكتور سعيد أبو عالي، مدير عام التعليم السابق بالمنطقة الشرقية، متوسلًا مساعدتي بالعودة من حيث أتيت قبل مرور شهر على انضمامي لمنسوبي التعليم، والتحاقي بالعمل في تحرير صحيفة «اليوم» مساءً قبل صدور قرار أستاذي الدكتور هاشم عبده هاشم بتعييني نائبًا لرئيس تحرير «عكاظ» بالخليج، متخليًا عن الوظيفة والخبر المدينة والمربد (الملحق)، والغزال عبدالرؤوف، ومطلق العنزي، وسليمان أبا حسين، وسليمان العمير المفتون بحب الخير، وبقية رموز ورفاق جادة النشاط الثقافي الإعلامي آنذاك، ومتنازلًا عن طموح تغيير المكان الذي راودني بفعل السقوط في فخ استدراج رفيق الدرب فالح الصغير كما كنت أظن.

لم يهدأ لي بال وأنا أستجدي المغادرة قبل سماع عبارة: «يقتضي الأمر مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر»، لتمتد الأشهر الثلاث، بقدرة قادر، لسنوات وسنوات، كنت خلالها لا يحلو لي قضاء إجازتي خارج حدود جغرافيا واحات المنطقة الشرقية، مكتشفًا أن المهلة ليست سوى خلاصة تجربة شخصية، ودرس إنساني اجتماعي حكيم، لقيادة تربوية فذة سبقتني مرورًا في ذات الموقف، كما فهمت لا حقا، مدركًا أن التريث مفتاح القرار الصائب، وأن الشعور بالغربة تحت سماء المدن السعودية مجرد وهم، وأن ألفة المدائن لا تختلف عن ألفة الرفيق الشهم، وأن المدن بكل تضاريسها تشبه أهلها إلى حد كبير، وأن توثيق الصداقات داخل حدود الوطن الواحد يعزز مودة المكان ويخمد حرائق الوجد ويطفئ لهيب الحنين.

لم يكن «الإبهار» شعار الخبر سيدة المدائن آنذاك فحسب، بل كانت مدينة حميمية أسرية مذهلة وهادئة، موغلة في الخصوصية بكل ما تحمل من بساطة، تنام مبكرًا على أنغام أمواج الخليج، وتستقبل شعاع الشمس بكامل أناقتها، مبتهجة ورفيقاتها ببناء منظومة مشاريع وبنى تحتية، يقودها أميرها الرمز المحبوب محمد بن فهد بن عبدالعزيز، تغمده الله بواسع رحمته، ويرعى ويهندس تفاصيلها أمينها السابق المبدع معالي الأستاذ زايد السكيبي، صاحب عبارة «السياحة ليست مجرد طقس»، والمسكون بتحويل المنطقة إلى مراتع سياحية خصبة تسر الناظرين رغم عوائق الطقس واختلاف المرحلة.

كل هذه الخواطر انبعثت يوم أمس في حضرة الجمال المضاف للمكان في كافة مدن المنطقة الشرقية دون استثناء، حتى خُيّل إليّ اختفاء ظاهرة التفاخر بالسكن بالخبر ومزاعم التسوق بمتاجرها آنذاك في ظل المساواة بين كافة مدن المنطقة شكلًا ومضمونًا، كمحصلة لعمل إداري إشرافي تنفيذي متكامل، تجلت خلاله معاني الريادة بالفعل المتقن المحقق للرؤى، وهذا ما لمسته وغيري بعد انقطاع عبر زيارة حنين، كنت خلالها شبه غريب لولا مساعدة Google في حضرة تبدل المعالم بما يعزز الفخر ويؤكد حجم القفزة الحضارية الهائلة في أعقاب تضاعف مساحة المدن عشرات المرات بغضون سنوات تُعد على أصابع اليد الواحدة.

لم تعد مدن المنطقة متباعدة كما كانت قبل فترة قصيرة فمطار الملك فهد، الذي كان بعيدًا بمقاييس مطار قاعدة الظهران، أضحى قريبًا، والدمام احتضنت القطيف المدينة النموذجية العصرية قبل التصاقها بالظهران وسيهات ورأس تنورة، بل أصبحت على وشك معانقة الجبيل، وكذلك فعلت الخبر، فأصبح كورنيش الهاف مون على سبيل المثال امتدادًا لشواطئ فاتنة تلامس الحدود الشمالية إن لم يكن جزءًا أصيلًا لمشروع واحد يستهدف دمج شواطئ حواضر المنطقة بالكامل نتيجة تنمية مستدامة شاملة يرعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» لا تقتصر على العمران فحسب، بل امتدت لتشمل الاهتمام بالبيئة ودعم المبادرات الخضراء، واستحداث الجسور والأنفاق والطرق السريعة ومرافق الترفيه وتوفير جودة الحياة بكافة الخدمات إيمانًا بأهمية التنمية الحاضن الحقيقي للحاضر والضامن الفعلي للمستقبل.

وهذا ما تجلى في حرص سمو الأمير الحكيم الخبير صاحب التجربة، سعود بن نايف بن عبدالعزيز، الذي عزز التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص عبر هيئة تطوير المنطقة الشرقية عبر براعة الدكتور طلال المغلوث ليصبح العمل المشترك طريقًا لتحقيق الطموحات، وليخرج سموه الكريم بتجربة رائدة ملهمة نتمنى تعميمها في كافة مناطق ومدن المملكة، خاصة فيما يتعلق بالنظافة ومكافحة التشوه البصري قولًا وفعلاً مضاف لذلك احترام الإنسان والانصات لملاحظاته، ولعل المخرجات المبهرة لجهود هيئة تطوير المنطقة الشرقية الواقع المعاش كمحصلة لبراعة الدكتور طلال المغلوث وأمانة المنطقة بكوادرها بقيادة معالي المهندس فهد الجبير، تصبح قدوة حسنة، خاصة وقد نما إلى علمي بلوغ الثقة المطلقة بالقدرات والنتائج حد الاعتماد على متطوعين في كافة الأحياء للإبلاغ عن الثغرات والمنغصات ومراقبة الأداء وتقييمه، مثلما زادنا فخرًا تكريم منسوبي البلديات التي تباشر الشكاوى بزمن قياسي بلغ في حده الاقصى 15 دقيقة فقط.

لعلي اختتم بقناعتي أن آفة بعض المدن ضآلة الرقابة، وإهمال التشوهات البصرية، وعدم جدية التعامل مع ملاحظات المواطن، حتى باتت المشاهد المخجلة على تخوم المداخل والمخارج في بعض المناطق، بل أول مشهد يصافح بصر الزائر وقاطن الفندق والشواهد ماثلة للعيان، ويقيني أن مقابلة الولاء بالوفاء والتقدير واجب حتمي، متأملًا وغيري انتقال تجربة أمانة المنطقة الشرقية عاجلًا إلى بقية المناطق، بما يعزز أهداف رؤية عظيمة يقودها ويرعى تفاصيلها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حيث بدت ملامح مخرجاتها تتحقق قبل الأوان. منهيا بنتائج أكدت تزعم مدن المنطقة الشرقية هذا العام مؤشرات جودة الحياة وهو الأمر المتوقع، وللحديث بقية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق