شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أمس الأربعاء، بحضور سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار، انطلاق السلسلة العالمية لمنتدى الشارقة محطة المستقبل: الرعاية الصحية، التي تستهلّ أولى نسخها بمحور رئيسي حول الابتكار في الرعاية الصحية، وذلك في مقر المجمع.
استهل الحفل بالسلام الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، شاهد سموه والحضور بعدها مادة فيلمية تناولت نشأة المجمع وجهوده في توليد واحتضان الأفكار واستغلالها والعمل عليها لتطبيقها على أرض الواقع، وعكس الأفكار لخدمة المجتمع بطريقة مبتكرة.
وألقى بعدها حسين المحمودي المدير التنفيذي للمجمع، كلمة رحب في مستهلها بصاحب السمو حاكم الشارقة والحضور، مؤكداً أن هذا الحدث لا يمثل مجرد لقاء علمي أو منصة للحوار، بل هو إعلان صريح عن التزام الإمارة الدائم بخدمة الإنسان وصحته ورفاهيته، وترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً للعلم والابتكار والمعرفة.
وأشار إلى أن تأسيس المجمع جاء لتكون الشارقة حاضنة للعلم، ومنارة للبحث، وجسراً يصل بين المعرفة والتطبيق، كاشفاً أن اليوم أصبح المجمع موطناً لأكثر من 10 آلاف شركة ابتكارية، توجه بوصلتها نحو العديد من المجالات منها الابتكار في مجال الرعاية الصحية، مضيفاً: «لقد آمنت الشارقة منذ فجر نهضتها بأن الحضارة لا بالبنيان المادي فقط، بل بسموّ الإنسان وازدهار فكره وصحته».
وتحدث المدير التنفيذي لمجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار عن الشراكات الاستراتيجية في منظومة الرعاية الصحية، ذاكراً أبرز الشراكات مع هيئة الشارقة الصحية، التي أرست جسوراً بين البحث العلمي والتطبيق السريري، ومؤسسة الإمارات للخدمات الصحية لوضع أطر عمل مشتركة لتعميم الحلول المبتكرة على مستوى منظومة الرعاية الصحية في الدولة، إضافة إلى التعاون مع مجموعة بيئة والعمل على التلاحم بين الاستدامة البيئية والصحة العامة، لتغدو بيئتنا النظيفة ركيزة لصحة مستدامة، أما على الصعيد الخارجي فتناول شراكات المجمع مع العديد من الشركات العالمية التي تضفي بعداً علمياً وتقنياً رفيعاً إلى بيئة الابتكار في المجمع وتعمل على تسريع مسيرة تطوير التشخيصات والعلاجات الحديثة.
وأعلن عن توقيع المجمع اتفاقية تعاون مع مجموعة أستر للرعاية الصحية، إحدى أبرز المؤسسات الطبية في المنطقة، التي ستفتح آفاقاً جديدة أمام الباحثين والمبتكرين، وستوفر جسوراً حقيقية بين المختبر والمريض، والفكرة والتطبيق، كما سيتم توقيع عدد من مذكرات التفاهم التي تتيح للمختصين في الشارقة الوصول المجاني إلى الجزيئات ما قبل السريرية لإجراء الاختبارات، بالإضافة إلى فرص التقدّم للحصول على تمويل ومنح بحثية من خلال المنصة.
وأكد أنه من خلال هذا الحدث سيعملون على رسم مستقبل الابتكار الصحي في الشارقة من خلال العمل المشترك لابتكار منظوماتٍ ذكية تُعيد تعريف الرعاية الصحية في المنطقة والعالم، وذلك بمشاركة نخبة من العلماء والأطباء وروّاد التكنولوجيا والمستثمرين.
واختتم المحمودي كلمته داعياً جميع الباحثين والأطباء والمستثمرين وروّاد الأعمال إلى أن يكونوا شركاء في مسيرة بناء مستقبل تكون فيه الشارقة منارة عالمية للابتكار الطبي والتميز العلمي، والمساهمة في تعزيز صحة الإنسان، وبناء غد أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.
من جانبها، قدمت الدكتورة أسماء فكري مدير إدارة الشراكات الحكومية والمؤسسية في المجمع، عرضاً مرئياً تحدثت خلاله عن الابتكار في المنظومة الصحية وتأثيره المستقبلي في نظم الحياة والتشخيص، معبرة عن فخرها بجامعتي الشارقة والأميركية في الشارقة التي نُشر لها أكثر من 2000 منشور في مجال الرعاية الصحية، مؤكدة أن هذه الجهود تعكس التنافسية الكبيرة لإمارة الشارقة للوصول إلى الريادة العالمية في مختلف المجالات.
وشهد صاحب السمو حاكم الشارقة جلسة حوارية تحدث فيها الدكتور مجدي يعقوب جراح القلب والصدر العالمي ومدير معهد مجدي يعقوب لأبحاث القلب في المملكة المتحدة، والدكتور حميد عبيد الشامسي الرئيس التنفيذي لمعهد برجيل للأورام، والدكتور فلاديمير إيفكوفيتش مدير مستشفى ماساتشوستس العام كلية الطب بجامعة هارفارد.
وأشار الدكتور مجدي يعقوب إلى وجود عوامل مشتركة بين الأمراض القلبية والأورام، مؤكداً سعيهم الحثيث في إيجاد حلول من خلال تطوير الوسائل الطبية المبتكرة ما يسهم في التخفيف من المعاناة البشرية وحالات الوفاة حول العالم، كاشفاً أن 80٪ من الأثر المترتب من هذه الأمراض يقع عبئاً على الدول النامية ما يؤخر وصول الرعاية الصحية للمحتاجين حول العالم.
وتناول يعقوب الإنجازات الأخيرة التي تم تحقيقها في مجال زراعة القلب، مشيراً إلى أنها كانت أفكاراً خيالية قبل 100 عام، بينما أصبحت أحد الحلول في يومنا هذا وما زالت تتطور بتطور التقنيات والأجهزة، متحدثاً عن أبرز قصص النجاح التي حققتها عمليات زراعة القلب والصمامات والأنسجة ومساهماتها في الحفاظ على صحة الناس وبقائهم على قيد الحياة لفترة أطول.
فيما تحدث الدكتور حميد الشامسي عن تنامي الطب في المنطقة والعالم، متناولاً التحديات التي تواجههم في القطاع الصحي، وجهودهم في توعية المجتمع من خلال النشرات التوعوية والمواد الإعلامية في منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التجارب السريرية التي تظهر ريادة الدولة في المجال الصحي وتحقيق العديد من الإنجازات التي تحققت نظير الاهتمام بتطوير الأبحاث واكتشاف العلاجات لمختلف الأمراض.
وتطرق إلى الإنجازات في مجال علم الأورام وتطور طرق العلاج عن السابق، موضحاً أن العلاج حالياً يكون بداية بتشخيص الحالات وتحديد نوع الورم السرطاني ومن ثم وضع البرنامج العلاجي المناسب، مشدداً على أهمية إجراء الفحوص المبكرة للكشف عن السرطان واتباع البرامج الوقائية، خصوصاً مع تطور التقنيات الحديثة ودخول الابتكار والذكاء الاصطناعي في هذا المجال ما يساهم في رفع نسبة التشافي.
من جانبه، أشاد الدكتور فلاديمير إيفكوفيتش بالابتكارات التي طرأت في مجال طب الفضاء وتطوره باختلاف البيئات المتنوعة والظروف الصعبة، مشيراً إلى أن محطة الفضاء الدولية تراقب صحة رواد الفضاء للحصول على نتائج حول تأثير الفضاء على صحة الإنسان.
وكشف عن بعض التطبيقات الذكية التي تستخدم لمراقبة الدماغ وحركة الرأس وحمايته من الصدمات الدماغية، بجانب مراقبة حركة الدم في الجسم والوظائف العصبية والعقلية حفاظاً على سلامة رواد الفضاء وإيجاد أفضل الطرق للتكيف مع البيئة الصعبة في الفضاء.
كما حضر صاحب السمو حاكم الشارقة، الجلسة الحوارية الثانية التي تحدث فيها خالد الحريمل الرئيس التنفيذي لمجموعة بيئة، والدكتور عبد العزيز سعيد المهيري رئيس هيئة الشارقة الصحية.
وكشف الحريمل عن أسباب دخول مجموعة بيئة في قطاع الرعاية الصحية، مشيراً إلى أن المجموعة منذ انطلاقها قبل 17 عاماً كان هدفها العمل على توفير جودة الحياة باستخدام التقنيات الحديثة والصديقة للبيئة، مؤكداً وجود المجموعة حالياً بين كبرى المؤسسات في المنطقة من حيث تدوير النفايات، إضافة إلى تصدير هذه القدرات لدول مختلفة.
وتطرق إلى الشراكات المختلفة التي تبرمها المجموعة، ففي القطاع الصحي قامت «بيئة» بتوقيع اتفاقيات مع وزارة الصحية وتأسيس مشروع «وقاية» لمعالجة النفايات الطبية، والعمل جار على مشروع حي جواهر بوسطن الصحي الذي سيكون علامة فارقة في مجال الرعاية الصحية واستقطاب الكفاءات الصحية لإمارة الشارقة.
وتحدث الدكتور عبد العزيز سعيد المهيري عن جهود المؤسسات الصحية في الدولة سواء على المستوى الاتحادي أو المحلي وتعاونها الدائم لتعزيز السياسات الصحية وتوفير نظام صحي قوي يعمل على خدمة المرضى في الدولة، متطرقاً إلى اعتماد مدينة الشارقة كمدينة صحية من قبل منظمة الصحة العالمية واتباعها الشروط والمعايير الصحية الدولية.
وأشار إلى ضرورة العمل على تمكين القطاع الخاص من خلال وضع التشريعات التي تدعم قطاع الرعاية الصحية لتقديم أفضل الخدمات ويستفيد منها الجميع، مؤكداً وجود برامج تدريبية تعزز من مهارات الكوادر الطبية في الإمارة من خلال إرسال المتدربين إلى كبرى المنشآت الصحية في العالم واكتساب المعرف والعودة للعمل في إمارة الشارقة.
وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بتكريم الضيوف والشركاء والداعمين، متمنياً سموه لهم التوفيق والنجاح في تطوير العمل في القطاع الصحي وتعزيزه بما يعود بالنفع على المرضى حول العالم.
وعلى هامش المنتدى، اطلع صاحب السمو حاكم الشارقة على مخطط حي جواهر بوسطن الطبي وما سيضمه من مستشفى ومراكز ومعاهد ومختبرات ستوفر الرعاية الصحية بأفضل الأساليب والمعايير التي تركز بشكل رئيسي على رعاية المريض وتوفير كافة احتياجاته ما ينعكس على مستوى الأساليب العلاجية.
واستمع سموه إلى شرح حول المشروع ومساهمته في مجال الدراسات والأبحاث الطبية بشكل عام ولأمراض السرطان بشكل خاص من خلال الاستفادة من الخبرات العالمية المتخصصة في علاج أمراض السرطان والمعاهد العلمية والبحثية الأخرى في الشارقة وغيرها.
وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بالتوقيع على نسخة من مجلة نيتشر العالمية التي أصدرت نسخة حصرية لتسليط الضوء على التقرير البحثي الأول بعنوان الشارقة نكست: الرعاية الصحية، الذي يقدم رؤية تحليلية دقيقة لموقع الشارقة الحالي وآفاقها المستقبلية في مجال البحث الصحي.
وأظهرت نتائج التقرير تطوراً لافتاً ونمو البحوث في مجال علوم الأعصاب بنسبة 25% سنوياً خلال السنوات الأربع الماضية، وما يقارب 20% من أبحاث الشارقة في مجالي الأعصاب والقلب، وحققت أكثر من 10% من الأبحاث الأكثر استشهاداً عالمياً.
وسيتناول برنامج المنتدى خلال اليومين القادمين موضوعات نوعية، من الذكاء الاصطناعي في التشخيص العصبي، إلى الطب الدقيق في علاج أمراض القلب، إلى الجينات والعلاجات الرقمية، بما يعكس التكامل بين العلم والابتكار والإنسان.
وتأتي نسخة «الشارقة محطة المستقبل: الرعاية الصحية» كمنصة رفيعة المستوى لمناقشة أحدث الابتكارات والتقنيات في القطاع الطبي، بمشاركة واسعة من الأكاديميين والشركات الناشئة والمؤسسات الصناعية، حيث تتناول الجلسات البحث والتطوير في مجالات الأحياء البشرية والتقنيات الحيوية المتقدمة والذكاء الاصطناعي في التشخيص الصحي والتحول الرقمي في الطب، إلى جانب مناقشة الجوانب الأخلاقية المرافقة للتطورات الطبية الحديثة.
حضر الحفل بجانب سموهما، الشيخ الدكتور سالم بن عبد الرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ محمد بن حميد القاسمي رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، وعدد من كبار المسؤولين وممثلي القطاع الصحي والمشاركين في المنتدى.


















0 تعليق