تمثل الأدوية العشبية والطبيعية (المعروفة أيضا بالطب البديل أو التقليدي) نهجا علاجيا يستند إلى استخدام النباتات ومكوناتها النشطة للحفاظ على الصحة ومعالجة الأمراض. تمتد جذور هذا المجال إلى قرون طويلة في حضارات مختلفة، ولا يزال حتى اليوم جزءا أساسيا من أنظمة الرعاية الصحية في العديد من الدول. الأدوية العشبية هي مستحضرات علاجية تستخرج مكوناتها الفعالة من النباتات الطبيعية مثل الأعشاب والجذور والزهور والبذور، وتستخدم لأغراض صحية وعلاجية مختلفة. وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يعتمد حوالي 80% من سكان العالم على الطب العشبي في جانب من جوانب الرعاية الصحية الأولية، لا سيما في البلدان النامية، حيث قد تشكل العلاجات العشبية ما يصل إلى 80% من خدمات الرعاية الصحية المتاحة. وقد أفادت منظمة الصحة العالمية بأن 88% من بلدان العالم تستخدم ممارسات العلاج التقليدي (مثل الأعشاب والوخز بالإبر) كجزء من منظوماتها العلاجية، مما يدل على الانتشار العالمي الواسع لهذا القطاع وأهميته المتزايدة.

هذا الانتشار الواسع عزيزي القارئ، ترافقه صناعة عالمية مزدهرة للأدوية العشبية. فقد تحولت التقاليد القديمة إلى منتجات تجارية حديثة تتنوع بين المكملات الغذائية العشبية، والمستحضرات الدوائية النباتية، والعلاجات التقليدية المعبأة للبيع التجاري. يشهد هذا القطاع نموا قويا مدفوعا بالإقبال الشعبي والاستثمار البحثي، ما جعله واحدا من أسرع القطاعات نموا في سوق الرعاية الصحية العالمي.

شهدت السنوات الأخيرة تحولا واضحا في توجهات المستهلكين نحو المنتجات الطبيعية والعشبية. هناك وعي متزايد بمنافع هذه الأدوية مقارنة بالمستحضرات الدوائية الكيميائية، مدفوعا بالرغبة في نمط حياة صحي وأكثر «طبيعية».

الفئات الشابة تقود جزءا كبيرا من هذا النمو في الطلب. تظهر البيانات أن جيل الألفية وما بعده أكثر إقبالا على تبني العلاجات العشبية ضمن أنماط حياتهم الصحية، حيث إن حوالي 65% من المستهلكين من Millennials وGen Z يستخدمون الأعشاب بشكل ما في روتين العناية بالصحة وإلى جانب ذلك، يلعب التطور الرقمي دورا في زيادة الإقبال. إذ يتجه 62% من المستهلكين الآن لشراء المنتجات العشبية عبر الإنترنت لسهولة الوصول وتوفر خيارات أوسع حتى بعض الفئات التقليدية من هذه المنتجات شهدت انتعاشا.

تعكس الأرقام حجم الزخم الذي تشهده صناعة الأدوية العشبية عالميا. قدر الحجم الإجمالي للسوق العالمي بحوالي 233 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع توقعات بنموه إلى حوالي 251 مليار دولار في عام 2025 ويتوقع استمرار هذا النمو القوي ليصل حجم السوق إلى قرابة 437 مليار دولار بحلول عام 2032، أي بمعدل نمو سنوي مركب يقدر بنحو 8% إلى 10% سنويا. بالفعل عزيزي القارئ، نما هذا السوق بقوة في السنوات الأخيرة بمعدل يقارب 9-10% سنويا، هذه الطفرات الرقمية تضع الطب العشبي والطبيعي كقطاع رئيسي ضمن صناعة الأدوية والرعاية الصحية. على الصعيد الإقليمي، تتنافس آسيا وأوروبا على الصدارة في هذا المجال.

تشير بعض التقارير إلى أن أوروبا تعد أكبر سوق إقليمي للأدوية العشبية بحصة تقترب من 44% من السوق العالمي في 2024، بينما تستحوذ منطقة آسيا والمحيط الهادئ على حصة مماثلة تتجاوز 40% من إجمالي السوق، بفضل أسواق ضخمة مثل الصين والهند. وتأتي أمريكا الشمالية في المرتبة التالية بحصة أقل، لكن تمثل سوقا مهمة. فعلى سبيل المثال بلغ حجم سوق المكملات العشبية في الولايات المتحدة وحدها حوالي 9.6 مليارات دولار عام 2020، مع استخدام حوالي 22% من البالغين الأمريكيين لهذه المكملات بانتظام وفي أوروبا، تمتلك ألمانيا سوقا مزدهرة بلغ حجمه 1.9 مليار يورو في 2020 للمستحضرات العشبية.

وفي آسيا تقود الصين والهند المشهد، إذ وصل حجم سوق الأدوية التقليدية العشبية في الصين إلى نحو 55 مليار دولار عام 2021. وتشهد المملكة العربية السعودية نموا ملحوظا في قطاع الأدوية العشبية، مدفوعا بزيادة الوعي الصحي بين المواطنين، والاتجاه نحو استخدام المنتجات الطبيعية كبدائل تكميلية أو علاجية. بلغت قيمة سوق المنتجات العشبية والطبيعية في السعودية حوالي 3.9 مليارات ريال سعودي في عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بمعدل سنوي مركب يتراوح بين 7 إلى 9% ليصل إلى أكثر من 5.6 مليارات ريال سعودي بحلول عام 2028. وتشير إحصائيات الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودي إلى وجود آلاف من المنتجات العشبية والطبيعية المسجلة رسميا. كما عززت الجهات التنظيمية في المملكة إجراءات التسجيل والرقابة لضمان جودة وسلامة هذه المنتجات، بهدف تعزيز ثقة المستهلكين وتحقيق نمو مستدام في هذا القطاع الواعد.

أخيرا هذه الأرقام والإحصاءات تؤكد أن السوق العالمي للأدوية العشبية والطبيعية لم يعد محدودا بثقافة أو منطقة معينة، بل أصبح ظاهرة اقتصادية عالمية. يجدر بالذكر أيضا تنوع منتجات هذا السوق، فالمكملات العشبية (مثل الكبسولات والأقراص والصبغات المستخلصة من الأعشاب) تشكل أكبر شريحة منتجات بحصة تتجاوز 60% من إجمالي الصناعة.

nabilalhakamy@