أحلام أهل غزة منتهية الصلاحية

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أحلام أهل غزة منتهية الصلاحية, اليوم الثلاثاء 27 مايو 2025 02:04 صباحاً

على هذه القطعة الأرضية المنكوبة بين رمال الخوف وغموض وعود البحر، فسدت صلاحية الأحلام، بين تنازع الخونة، ومعانقة الموت، ومغريات الهجرة.

استبدلت الأحلام هناك بفواجع الكوابيس، وطغيان نوازع الهروب نفسيا، أجساد تتشبث بالمستحيل، وفظائع العدوان الكاسح الجامح كوارث تحرق أعين تتمنى غفوة نسيان، يبطلها الخوف، وتخترقها غارات الصواريخ والقنابل، والشظايا، ويؤكدها اليأس عن اقتناص يقين في العراء.

اللقمة تعز على جميع من يرتحلون في دوائر لا تكتمل، عبيد للتحذيرات، لإخلاء مكان وصلوه للتو لاهثين، وخشية الثقة بحوائط موعودة بالسقوط، تمسح ذاكرة الوطن.

حينما تحضر المساعدات النادرة، تسابقهم صحونهم وقدورهم، متزاحمين يرتجون من يغرف، وتشهق النساء والصغار القريبون لمعمعة الغارف يبكون، وتُعتصر أجسادهم المتهالكة الضعيفة بين ألوف يختطفون اللقمة والرغيف، والقوي يعاند، بمعرفة أن من سبق لبق، وأن من يتردد ولو لحظة، سينام طاوي ثلاث ضامر البطن، ومن خلفه أفواه ترتجي اللقمة.

الوجوه شاحبة والكثير لم يكونوا هنا بالأمس، لكثرة من يختلطون، ويموتون، ويهربون، ومن يستسلمون بقبول التهجير.

نيران القصف بروق تغافل حتى المستشفيات، ومن كان بالأمس بينهم شابا يافعا، يترحمون على رحيله بصاروخ أو قذيفة، أو رقدة أخيرة تحت حائط فقد الاحتمال.

النداءات والشعارات تذبح أسماعهم بسكاكين التحريض، ومعاقرة خيبات الأمل، وتدمع الأعين بالطين، والحاجات تتلاشى، والأمن أمنية لا تطال، والهتافات بالنصر تستثير الأرواح، وهي حائرة تحت الركام، بأصوات من بخطاباتهم يحثون على الصبر والتحمل والشهادة، من وسط لمعة الفنادق الأنيقة في البعد، «باربكيو»، «جاكوزي»، وجلسات المساج، وكوكتيل، يجعلهم يجتهدون أكثر باعتصار التحليلات السياسية والوعود على الشاشات، وتحريك خيوط عرائس الأحلام، رغم إيمانهم بقرب شواطئ الريفيرا، بعد أن يتم إخلاؤها بالكامل، وبيعها على أصحاب القوة والثراء.

أما من يحملون ما تبقى لهم من ركام الدنيا، بقج ملابس متهتكة، يغسلون نصفها، ويرتدون الناشف المغبر، فلهم حسرات يعانقونها، ويندبون قبح تعامل البشرية معهم، فكأنما هم شياطين الأرض وسط زوبعة لا تستريح.

المحظوظ من استطاع دفع رسوم ورشاوى وضريبة المرور من المعابر العربية، أو من ركب صهوة الأمواج برسن ما يمتلك، والتعيس من كتب عليه البقاء لمواجهة آلة القتل الجماعي العنصري، وانعدام الأمن والطعام والدواء.

كل شيء في غزة انتهت صلاحيته، واليأس رفيقهم، يدورون منهكين ولو بالعكازات، وسط المتاريس والكوابيس.

بقايا أخبار تصلهم عن اجتماعات تعقد في المدى، تعج بالعجاج، وحجج عدم القدرة على مد الأيادي لهم تُستَجر، والتحفيز يستمر لمعاندة الجحيم، ودون شروط، ولا تعهدات، ولا طرق عودة، وحل الدولتين إبر مسكنة لأجسادهم الناحلة المنهكة المريضة، الموعودة بأرض في المنفى.

ظلم وظلمات العالم الحي تتضخم، وتطبق على أنفاس من تبقى يعاند، والموت أمامهم، وفوقهم، وحولهم، وبينهم، بتخطيط فصائل مسلحة منهم لا تريد أن ترحمهم، وسلطة فلسطينية عاجزة هرمة، أسطوانتها مشروخة منذ دهر، يخرج منها غبار وخشخشة، ومنطق يعاند كاتمات الصوت.

المأساة الغزاوية نحن جميعا عشناها ونعيشها، وكم يتعبنا ويؤلمنا تحقق فساد أحلامها، ولكنا لا نملك إلا أن نخادع أحزاننا، وكآبتنا، وحيرتنا، وتألمنا مما نشاهد من حسرات، مدركين أن بالخفاء ما هو أدهى وأمر.

أخبار ذات صلة

0 تعليق