خفايا عوالم الديات

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خفايا عوالم الديات, اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 02:09 صباحاً

قصص عجب تحدث بين قبائل المملكة، أكثرها محزن، وبعضها مخزٍ، يظهر تجذر عصبيات القرون المظلمة، حينما تجعل دم شخص من قبيلة، لا يعدل دم من ينتسب لغيرها!

لجان إصلاح ذات البين تتحرك لرأب الصدع، وإقناع قبيلة أهل المقتول بقبول بعض التنازل، والبعض يتدخل بالوجوه، ورفع السقف بعشرات الملايين.

سوق هياط وواسطة، وفساد، ورشوات للمؤثرين، مع متعة مهرجانات دسمة تحدث عند القبيلتين، تستضاف فيها الوفود ومن يتوسطون، وتنطلق السيارات الفارهة، ويحضر كبار شيوخ القبائل، وكل يدعو معه من يرى فيه القدرة، تقام المخيمات، وتذبح النياق، ويحترق العود، وتضج أصوات الميكرفونات بزيف التراحيب والأشعار، ومن يستثيرون نعرات الماضي، ومن يترجى بالوجيه، ومن يعتذر، ومن يطلب العفو، وعقل ترمى، وينبري على مواقع التواصل من يجعل أما أو أختا تنعى وتنخى تعصبا بالقبائل، وتطالب بمساعدتها في جمع ملايين الدية، لإنقاذ قريبها القاتل!

الحكاية تتكرر، خلافات وتحديات شبابية معتادة، وعزة وركوب الرأس، وكلمات أو أفعال منقصة تقترف، وتلهب القلوب، والسلاح يبرز، أو يتعمد أحدهم سيارة الآخر، ويقتله على مقودها، بغل وحقد إصرار وترصد، يتم تغليفه بوزة الشياطين.

ويرحل أحد الطرفين، ويبقى الآخر منتفشا، بقبيلة مجبولة على ألا تقف عاجزة عن جمع الملايين لتشتري له رقبة من مات!

الطرفان فاقدا توازن، ومنحازان، فأهل المقتول يصورونه بالكريم الشريف والحمل الوديع، وأهل القاتل يصورونه رجل حق وعزة اختبرت أعصابه الرجولية، ولم يستطع تحمل الضيم، فرد بقوة، يستمدها من قدر أهله، وشيمة قبيلته!

في بعض المناطق استطاعت القبائل تحجيم مقدار الدية، فلا تكون كارثة حينما تتحمل قيمتها أهل القبيلة المضادة، والتي تنخا القبائل المتكاتفة معها للمساعدة في السداد، والكل يرد الدين، كما وسبق أن وقفت قبيلة المجرم معهم!

مزاد يرفع قيمة الدم، حتى تتجاوز عشرات الملايين!
الدولة تقف على الحياد، وتكلف لجان الصلح ببذل الجهود، ولكن الحد الأعلى للدية يظل مفتوحا، مما يسمح بحدوث الفساد.

لو عرف القاتل مسبقا بأن نجاته من القصاص مستحيلة مهما دفعت قبيلته من الملايين، فلن يجازف بارتكاب الخطأ مبدئيا، ولن يستهين بدم من يقابله، ولن يدخل أهل بيته وقبيلته في خراب بيوت، وسيحجم الأثرياء عن فرصتهم للهياط، واعتبارها صدقة، مع أنها تغطية مكروهة على جريمة، كان لا بد أن تحكم بقانون حكومي، يطبق على الجميع، ولا يسمح بالتحايل على روح العدالة الإنسانية.

القاتل والمقتول، قد يكونا صالحين، وقد يكون أحدهما أو كلاهما مارقا أو خاضعا للمخدرات، أو مقترفا لأمور مخلة بالشرف، ورغم ذلك، ما تزال القبائل تتعامل مع أبنائها على أنهم أفضل خلق الله، وأنه لا يجوز تركهم لقصاص الشرع، أو لعفو وفك رقبة بشكل حقيقي، ودون الاستفادة من الدم.

كلنا أمل وثقة بأن تصدر دولتنا قانونا حكوميا صارما ينهي عبثية مزايدات الدية عند القبائل، وتحديد سقف من خمسة ملايين يجرم كل من يحاول زيادته أو التلاعب فيه.

قانون سيمنع كل تلك التجمعات والوفود والواسطات والسماسرة، ويحقق حدود وصلاحيات لجان إصلاح ذات البين، فإن رضي أهل المقتول بالدية، وإلا فإن القصاص يرضي المتخالفين، حياة لأولي الألباب، ودون طمع فيما هو أبعد.

shaheralnahari@

أخبار ذات صلة

0 تعليق