سأختار أبطالي

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سأختار أبطالي, اليوم الاثنين 7 يوليو 2025 06:41 صباحاً

يحتاج الإنسان إلى قدوات في حياته، أو أبطال كما تحلو التسمية هذه الأيام، ومهما كان الإنسان معتدا بذاته، معجبا بصفاته، فإن له جوانب تحتاج إلى صقل وتطوير، وإلى استبصار وتنوير، وهنا يأتي دور الأبطال، فهم قد مروا بتجارب وخبرات، وتحديات وعثرات، غنية بالحِكم والعِبر، تُشجّع القلوب المترددة، وتحفز الأذهان الخاملة، وتشحن الأجساد المتكاسلة، يقول (ابن تيمية) رحمه الله "كم من الناس من لم يرد خيرا ولا شرا حتى رأى غيره يفعله ففعله، فإن الناس كأسراب القطا، مجبولون على تشبّه بعضهم ببعض".

الإنسان يؤثر ويتأثر، بحسب ما يملك من قوة شخصية، ومهارة فكرية، ومن الجميل أن يكون هذا التأثير إيجابيا نافعا، والأجمل أن يكون متبادلا، وإن لم يكن على القدر نفسه من الكم والكيف، إلا أنه يحقق المثل اللطيف: لا ترسل صحن الجيران فارغا. والإنسان ابن آبائه فيتأثر بهم بالوراثة، وابن بيئته فيتأثر بها بالمُخالطة، وما البيئة إلا شخصيات وحكايات، وأفكار وسلوكيات، مبثوثة في صفحات الكتب التي يقرؤها، وفي جوانب الدروب التي يمشيها، ومؤخرا على شاشات الأجهزة التي يتابعها.

يقول الأديب (أحمد أمين) "قد تحدث الحادثة لا يأبه الإنسان بها وتمر أمام عينيه مر البرق، أو يسمع الكلمة العابرة لا يقف عندها طويلا، أو يقرأ جملة في كتاب قراءة خاطفة، فتسكن هذه كلها في نفسه وتختبئ في عالمه اللاشعوري، ثم تتحرك في لحظة من اللحظات لسبب من الأسباب فتكون باعثا على عمل كبير أو مصدرا لعمل خطير. وكل إنسان إلى حد كبير نتيجة لجميع ما ورثه عن آبائه، وما اكتسبه من بيئته التي أحاطت به. فأنا لم أصنع نفسي ولكن صنعها الله عن طريق ما سنّه من قوانين الوراثة والبيئة".

في السنوات الأخيرة يلاحظ المتابع للإعلام الغربي بالذات، تسارعا محموما في نشر الشذوذ والإلحاد في أغلب ما يعرِض ويفرِض في أفلامه ومسلسلاته وبرامجه، والتي اجتاحت القنوات والمنصّات، فتجد الأبطال بعد أن كانوا أخيارا أسوياء، أصبحوا أشرارا شواذ، وبعد أن كانوا نماذج للحق والعدل والخير، أصبحوا أيقونات للباطل والظلم والشر، من النقيض إلى النقيض، ومن العلو إلى الحضيض.

نعود للبيئة فالأبطال من حولنا كثيرون، وإن كانوا لا يملكون قوى خارقة، كالطيران أو أشعة الليزر الحارقة، إلا أنهم أبطال في مجالاتهم، وما نراه في يومياتهم من أمور نحسبها عادية هي بطولات حقيقية، تستحق التأمل والتعلم، تُشاهد عاملا أجيرا يكدح في العمل وأشعة الشمس تخترق جسده المنهك نزولا لترتد عن الأرض وتعاود إحراقه صعودا، وقد تختلط دموعه بعرقه ولا يعلم عنه إلا الله عز وجل، أليس هذا الصابر المكافح بطلا حقيقيا يفوق جميع أبطال (Marvel) و(DC)، (أكبر شركتين في العالم تهتم بإنتاج أفلام ومسلسلات الأبطال الخارقين).

قال (ابن المبارك) رحمه الله وهو مع إخوانه في الغزو:
أتعلمون عملا أفضل مما نحن فيه؟
قالوا: ما نعلم؟
قال: رجل متعفف على فقره ذو عائلة قد قام من الليل فنظر إلى صبيانه نياما متكشفين فسترهم وغطّاهم بثوبه فعمله أفضل مما نحن فيه.

الإنسان بطبيعته كائن حر، لا يقبل الوصاية والتحكم، إلا ما كانت ضابطة لشهواته وأهوائه كشرائع الدين الحنيف، أو منظمة لسلوكياته وتصرفاته، كقوانين التعامل مع الأشياء والآخرين. وإن كنا جميعا نمتلك العين نفسها، إلا أننا لا نتملك النظرة نفسها للأمور، فهناك من يرى البقرة مخلوقا نافعا ينفع بمشيئة الله، وهناك من يراها إلها رازقا يُعبد من دون الله.

وبما أن الإعلام يفرِض ولا يعرِض، ويوجّه ولا يخيّر، فإنني سأختار أبطالي، بعناية ودراية، من خلال جودة ما أقرأ، وقيمة ما أشاهد، وكفاءة من أتابع.

أخبار ذات صلة

0 تعليق