نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حزب الإخوان من لقاءات حسن البنا بالملك المؤسس إلى رؤية محمد بن سلمان الحاسمة, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 05:15 صباحاً
لم تكن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة مجرد محطة في مسار العلاقات السعودية-الأمريكية، بل جاءت في لحظة سياسية حساسة يتغير فيها الموقف الدولي من الحركات الإسلاموية السياسية وفي مقدمتها حزب الإخوان المسلمين.
في الخلفية، تقف ذاكرة تاريخية تعود إلى أكثر من ثمانية عقود، حين التقى مؤسس الجماعة حسن البنا بالملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في زيارة حملت مبكرا ملامح التباين بين مشروع دولة وطنية ومشروع تنظيم عابر للحدود. واليوم في ظل قيادة الأمير محمد بن سلمان تتبلور رؤية سعودية أكثر وضوحا تجاه هذا التنظيم الذي يتمحور دوره في إفساد الأنظمة، وتغليب مصالحه الحزبية على مصالح الأوطان.
أولا: الزيارة التاريخية... حين قال الملك عبدالعزيز «نحن كلنا إخوان ومسلمون»
يصف عدد من المصادر التاريخية زيارة حسن البنا للمملكة في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث التقى الملك عبدالعزيز خلال موسم الحج، وطلب منه السماح بفتح فرع رسمي لجماعة الإخوان في السعودية، فجاء رد الملك المؤسس حاسما بعبارة بقيت راسخة في الذاكرة «نحن كلنا إخوان.. وكلنا مسلمون» في إشارة ذكية إلى رفض تحويل الدين إلى إطار حزبي تنظيمي داخل المملكة.
هذا الموقف لم يكن مجرد رد لغوي لطيف، بل يمكن قراءته اليوم كتأسيس مبكر لعقيدة سياسية سعودية تقول:
- إن الإسلام هو هوية الدولة والمجتمع وليس بطاقة عضوية في تنظيم.
- الشرعية في المملكة تبنى على البيعة والنظام الأساسي لا على «التنظيم السري» أو الولاء الحزبي.
- إن أي حركة تسعى لبناء ولاء عابر للحدود تصطدم حتما مع منطق الدولة الوطنية.
مع تحول الإخوان إلى لاعب سياسي مباشر في المنطقة وازدياد حضورهم في مشاريع «الإسلام السياسي» بعد الربيع العربي وصلت العلاقة مع المملكة إلى نقطة اللاعودة:
- في مارس 2014 أعلنت السعودية رسميا تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا.
- في نوفمبر 2020 جددت هيئة كبار العلماء هذا الموقف مؤكدة أن الجماعة تنظيم إرهابي لا يمثل منهج الإسلام، وأنها تسعى إلى الوصول إلى السلطة عبر الصراع الحزبي والشقاق.
ثالثا: محمد بن سلمان.. إعادة ضبط العلاقة مع الإسلام السياسي
مع صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بات الخطاب أكثر وضوحا وحدة تجاه الإخوان:
- صرح سموه في مقابلات دولية بأن المملكة أكبر ضحية للأيديولوجيا المتطرفة، وأن جميع التنظيمات المتطرفة - بمن فيها الإخوان - تعامل كتنظيمات إرهابية في السعودية وعدة دول أخرى.
- في حوار مع برنامج (60 دقيقة) على شبكة CBS أشار إلى أن المدارس السعودية غزتها عناصر من جماعة الإخوان، متعهدا باستئصالها من المنظومة التعليمية.
- وفي سياق أوسع، أعلن أن هدفه هو عودة السعودية إلى الإسلام المعتدل، المنفتح على العالم، دون ترك فراغ تستغله التنظيمات المؤدلجة لاحتكار الحديث باسم الدين.
رابعا: ما قبل وما بعد زيارة واشنطن..
جاءت زيارة ولي العهد الأخيرة إلى واشنطن (18-19 نوفمبر 2025) في سياق تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتوسيع ملفات التعاون من الطاقة والدفاع إلى الذكاء الاصطناعي والاستثمارات الكبرى مع إعلان نية رفع حجم الاستثمارات السعودية في أمريكا إلى قرابة تريليون دولار خلال السنوات المقبلة.
لكن، في الخلفية الأوسع كانت هناك تحولات لافتة في الموقف الأمريكي من جماعة الإخوان:
- بعد الزيارة بأيام، مضت الإدارة الأمريكية قدما في خطوات تصنيف بعض أفرع الجماعة كـ«منظمات إرهابية أجنبية»، و«كيانات إرهابية عالمية مصنفة» مع تبرير ذلك بعلاقتها بالعنف وتهديد المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
هنا يمكن قراءة المشهد على مستويين:
1 - داخلي سعودي: الزيارة تأتي تتويجا لمسار إصلاح داخلي يقوده ولي العهد؛ يواجه التطرف بأشكاله كافة، ويرسم خطا فاصلا بين الدين كمرجعية وهوية، وبين «تديين السياسة» كأداة صراع حزبي.
2 - خارجي دولي: العالم - بما فيه الولايات المتحدة - يقترب أكثر من القراءة السعودية المبكرة لخطورة الإخوان كتنظيم عابر للحدود يسعى إلى توظيف الديمقراطية حينا والانقلاب عليها حينا آخر بما يخدم مشروعه الأيديولوجي.
بهذا المعنى يصبح ما «قبل» و»بعد» زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا ليس لحظة تغيير قانوني فحسب، بل تأسيس لتقاطع رؤية بين الرياض وواشنطن تجاه مخاطر الإسلام السياسي المنظم.
خامسا: الإخوان وفساد الأنظمة.. حين يتقدم الحزب على الوطن
منذ تأسيسه في 1928 قدم الإخوان أنفسهم كحركة إصلاحية تحمل شعار «الإسلام هو الحل» لكن التجربة العملية في عدة دول عربية كشفت - في نظر كثير من الباحثين والمراقبين - عن نمط مقلق في سلوك الجماعة:
1 - ازدواجية الخطاب
خطاب دعوي مثالي في العلن، مقابل بنية تنظيمية مغلقة في الخفاء، تعيد تعريف الطاعة والولاء خارج إطار الدولة ومؤسساتها.
2 - تسييس الدين وتديين السياسة
تحويل الشعارات الدينية إلى أدوات تعبئة حزبية، واحتكار تمثيل «الإسلام الصحيح» في مواجهة الخصوم السياسيين، ما يفتح الباب أمام تكفير ضمني أو تشكيك في دين المخالف.
3 - تغليب مصلحة التنظيم على مصلحة الدولة
حين يصل الإخوان إلى الحكم أو يقتربون منه تتحول أولويتهم - كما يرى المتابع - إلى تمكين التنظيم في مفاصل الدولة: التعليم، القضاء، الإعلام، الأمن الناعم، بدل بناء مؤسسات وطنية جامعة.
هذا النمط ظهر بوضوح في التجربة القصيرة لحكم الإخوان في مصر (2012-2013) حيث تعمقت حالة الاستقطاب، وبرزت اتهامات واسعة للجماعة بمحاولة «أخونة» مؤسسات الدولة وإعادة صياغتها وفق منطق التنظيم لا منطق الدولة.
4 - العلاقة بالفساد
لا يعني ذلك أن الإخوان وحدهم مسؤولون عن فساد الأنظمة العربية، لكن طريقتهم في بناء الشبكات الحزبية والمصالح الاقتصادية المرتبطة بالتنظيم ساهمت في خلق طبقة «حزبية-اقتصادية» ذات ولاء عابر للحدود تستفيد من فوضى التحولات وتستثمر في هشاشة الدولة، بدلا من أن تسهم في إصلاحها من الداخل.
من هنا يمكن فهم الموقف السعودي - تاريخيا وحديثا - من الجماعة:
المشكلة ليست في التدين، بل في تحويل الدين إلى حزب مغلق، ومشروع سلطة، وشبكة مصالح تتقدم على مصلحة الأوطان.
سادسا: ثبات الموقف السعودي... منذ تأسيس المملكة
على النحو التالي:
- ملك مؤسس يرفض فتح فرع للتنظيم في بلاده، برسالة بليغة: نحن كلنا إخوان ومسلمون.
- ملوك لاحقون يوازنون بين احتواء الأفراد ومواجهة المشروع السياسي حين يتعارض مع استقرار الدولة.
- تصنيف رسمي للجماعة كتنظيم إرهابي عام 2014، وتجديد شرعي لهذا الموقف عبر هيئة كبار العلماء عام 2020.
- ولي عهد شاب يضع مكافحة التطرف في قلب مشروعه الإصلاحي، ويصرح علنا بأن لا مكان لـ»الإخوان» في التعليم أو الفضاء العام السعودي.
وزيارة الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا تعلن بوضوح أن استقرار الأوطان مقدم على مشاريع الأحزاب العابرة للحدود، أيا كان خطابها أو شعاراتها.
ahmedaalabbasi@


















0 تعليق