في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم نحو التحول الرقمي، تواصل دبي ترسيخ مكانتها مدينة المستقبل، عبر تبنّي مبادرات مبتكرة تُعيد صياغة مفهوم الخدمات الحكومية، وتجعل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة ركيزة تعزيز جودة الحياة، في خطوة تعكس رؤية دبي في التحول نحو حكومة بلا مراكز بحلول عام 2030، حيث تنجز معظم الخدمات عبر القنوات الرقمية بشكل كامل.
وتتجلى هذه الرؤية الطموحة في مشروع «مركز الشرطة الذكي» الذي يُعد أحد أبرز النماذج الوطنية في استشراف المستقبل وتطبيق مفاهيم الحكومة الذكية، حيث نجحت شرطة دبي في تقديم تجربة رقمية متكاملة تُدار دون أي تدخل بشري، على مدار 24 ساعة، مقدّمة خدمات شرطية متطورة تُواكب متطلبات مجتمع عالمي الطابع، وتدعم رؤية دولة الإمارات في تحقيق الاستدامة وتعزيز الأمن والرفاه المجتمعي.
أكد عدد من زوار مراكز الشرطة الذكية سرعة الخدمات المقدمة وكفاءتها العالية، وأن تجربة إنجاز المعاملات أصبحت أكثر سهولة ومرونة بفضل الأنظمة الحديثة التي توفر الوقت والجهد.
وأثنت الدكتورة حصينة الكثيري، المديرة المشاركة في مركز النجاح في جامعة زايد، على مستوى التطور في هذه المراكز. مؤكدة أن شرطة دبي توليها اهتماماً بالغاً بما تقدمه من خدمات، بهدف الارتقاء بجودة الحياة. وقالت إن المراكز المنتشرة في مختلف مناطق دبي، تمكّن المتعاملين من إتمام معاملاتهم بسهولة تامة ومن دون تأخير، لأنها مشروع مبتكر وريادي ينسجم مع التوجهات الحكومية المستقبلية، ومع التطورات العالمية في مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي.
وأوضح ناصر خميس السويدي، مدير إدارة الطوارئ والأزمات في وزارة الطاقة والبنية التحتية، أن المراكز الذكية حققت نجاحاً باهراً وسمعة عالمية جعلتها وجهة مفضلة للوفود الرسمية والزوار من مختلف الدول، الذين يحرصون على الاطلاع على تجربتها المتفردة عند زيارتهم لدبي.
سرعة الإنجاز
عبّر أحمد المرزوقي، عن إعجابه بسرعة إنجاز معاملته. ولم يصدق أن العملية تمت في وقت قياسي من دون أي تدخل بشري، ما يعكس مستوى التطور والكفاءة التي وصلت إليها شرطة دبي في تقديم خدماتها الذكية.
وأثنى أحمد زكريا ياسين، على المراكز الذكية لخدماتها الشرطية المتطورة والمتاحة على مدار الساعة، حيث تقدم حلولاً ذكية وآمنة ومريحة للمتعاملين، مع تسهيل وقت الاستجابة والحصول على الخدمات.
ويرى الإعلامي محمد عبيد هلال، أن هذه المراكز محطة فارقة في مسيرة شرطة دبي نحو استشراف المستقبل، حيث تجمع بين الابتكار والتقنيات الحديثة، لتقديم خدمات شرطية وأمنية متطورة، تعزز الشعور بالأمان والرضا المجتمعي، وتدعم رؤية دولة الإمارات في تحقيق الاستدامة وتعزيز جودة الحياة لجميع أفراد المجتمع.
نجحت مراكز الشرطة الذكية في الحصول على علامة الجاهزية الكاملة، كونها نموذجاً ريادياً لتقديم خدمات ذكية متكاملة.
وأعرب الفريق عبدالله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي، عن اعتزازه بحصول مشروع مركز الشرطة الذكي على الجاهزية للمستقبل، وهذا الإنجاز جاء نتيجة تبني نهج استباقي شمولي يعزز القدرة على تقديم خدمات أمنية متطورة تستند إلى العلم والتكنولوجيا والابتكار ومعايير الاستدامة.
وأضاف أنه مشروع نوعي استباقي بمفهومه المبتكر، يعتمد على التكنولوجيا الحديثة لإعادة تشكيل مستقبل مراكز الشرطة في العالم، ويعزز الاستثمار في البحث والتطوير لرفع كفاءة الخدمات وقدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية.
ويشكل المشروع نموذجاً عملياً لرؤية الإمارات في بناء منظومة حكومية مرنة ومواكبة للمستقبل؛ إذ يترجم التزام الدولة باستشراف التحولات المقبلة وضمان رفاه المجتمع واستدامة الحياة، حيث خدماته ضمن بيئة آمنة وذكية توفر للمتعاملين تجربة متكاملة تشمل 45 خدمة شرطية تغطي الجوانب الجنائية والمرورية والمجتمعية، وإصدار الشهادات والتصاريح.
كما يتيح المركز للمتعاملين تسجيل بلاغ جنائي من دون الحاجة إلى مقابلة موظفين، والتواصل المباشر عبر الفيديو مع ضباط تحقيق يتحدثون بعدة لغات. كما يمكن تقديم طلبات التصاريح وإنجاز مختلف الخدمات بسهولة من دون الحاجة إلى زيارة مراكز الشرطة التقليدية.
7 لغات
لمواكبة الطبيعة العالمية لمدينة دبي، تُقدّم خدمات المراكز بسبع لغات هي العربية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية والروسية والصينية، ما يسهم في تسهيل تجربة المتعاملين من مختلف الجنسيات.
وأوضح اللواء خالد ناصر الرزوقي، مدير الإدارة العامة للذكاء الاصطناعي، أن المشروع يوظف تكنولوجيا المستقبل لإحداث تغيير جذري ومبتكر في تصميم التجربة التفاعلية بين الشرطة والمجتمع. وأشار إلى أن النظام يربط بين الأنظمة الأمنية والمرورية وأنظمة الهوية والبصمات البيولوجية والدفع الرقمي في واجهة واحدة ذكية وآمنة، ما يسهم في توفير بيانات دقيقة وتبصرات سلوكية تمكّن من الحماية الاستباقية للمجتمع، وتطوير مهارات جديدة تتماشى مع وظائف المستقبل مثل إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتعامل مع البلاغات عن بُعد.
مفاهيم الاستدامة
مشروع مركز الشرطة الذكي نموذج متكامل في تطبيق مفاهيم الاستدامة البيئية؛ إذ يسهم في تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 97%، وخفض الانبعاثات الكربونية بنحو 5800 طن سنوياً، ما يجعله نموذجاً عالمياً في صناعة مستقبل الجاهزية الشرطية المستدامة.
وقد لاقت التجربة نجاحاً عالمياً؛ إذ يجري تطبيق النموذج الإماراتي لمراكز الشرطة الذكية حالياً في ثماني حكومات حول العالم، لتصبح دبي مصدر إلهام للمدن التي تسعى إلى تعزيز أمنها واستدامتها عبر التكنولوجيا والابتكار.
وكشف العميد عبدالله راشد الهفيت، مدير مركز شرطة البرشاء، عن تحويل المركز إلى مركز ذكي ضمن خطة القيادة العامة لشرطة دبي، وانسجاماً مع رؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الهادفة إلى جعل حكومة دبي حكومة ذكية تستشرف المستقبل، ومتابعة سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي للإمارة، لتحويل دبي إلى بوابة نحو المستقبل.
وأشار إلى أن نسبة المعاملات الحضورية بالمركز انخفضت خلال العام الجاري 63% مقارنة بعام 2024، ما يعكس فاعلية التحول الذكي في تقديم الخدمات.
416 معاملة
أكد العميد مبارك الكتبي، مدير مركز شرطة حتا، أن المركز أنجز منذ بداية العام وحتى الآن 416 معاملة ذكية، مشيراً إلى أن جميع خدماته مؤتمتة بالكامل، باستثناء بعض المعاملات التي تستدعي مراجعة شخصية.وأوضح أن المواطنين والمقيمين والزوار استفادوا من الخدمات الذكية في مختلف الجوانب الجنائية والمرورية والمجتمعية والتصاريح، عبر إنجاز معاملاتهم بأنفسهم على مدار الساعة. ولفت إلى أن هذه النتائج تعكس حرص شرطة دبي على تسريع التحول الرقمي وتوفير خدمات عصرية سهلة وسلسة للمجتمع، مثمناً الإقبال الواسع من المتعاملين على استخدام الخدمات الذكية.
مركز المرقبات
وكان مركز شرطة المرقبات، أول مركز شرطة ذكي في العالم يدار بالذكاء الاصطناعي، بأدوات هي الأولى، حيث اختصر زمن المعاملات التي كانت تحتاج إلى 24 ساعة إلى 15 دقيقة فقط، كما يمكن تسجيل 10 بلاغات في دقيقة واحدة عبر الطابور الذكي والضابط المناوب الذكي، تم إنجاز معاملتهم من دون أي أوراق عبر 11 نقطة ذكية و4 غرف تدار بالذكاء الاصطناعي.
المركز العائم
كما كان المركز سباقاً في التحول من مركز شرطة تقليدي إلى مركز، وتبدأ من أول دخول المتعامل لإنجاز معاملته مهما يكن نوعها، واختفت الغرف التقليدية لتحل محلها شاشات ضخمة وأضواء ترشد المتعامل لكيفية تقديم المعاملة في أسرع وقت، وتصل به إلى جميع مراحل تقديم البلاغ وتدوين الإفادة والحصول على الرقم المرجعي في غضون دقائق معدودة.
أما آخر مركز افتتح فكان في السوق الصيني، وفي خطوة استباقية أخرى يتم الاستعداد لافتتاح مركز الشرطة الذكي العائم، الأول في منطقة الشرق الأوسط، ويتيح لأفراد المجتمع من سكان الجزر أو مرتادي البحر الاستفادة من أرقى الخدمات الشرطية الذكية المبتكرة، حيث سيكون جاهزاً بنهاية عام 2026، لتقديم خدمات متكاملة قائمة على أحدث التقنيات والمعايير العالمية، وتشمل 27 خدمة في مجال الخدمات الجنائية والمرورية، وغيرها، و33 خدمة أخرى تقدم بـ 6 لغات مختلفة.
0 تعليق