لن تنضج حتى يهدم أمام عينك كل ما كنت تؤمن به

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لن تنضج حتى يهدم أمام عينك كل ما كنت تؤمن به, اليوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 01:09 صباحاً

هذه الجملة ليست قسوة لغوية، بل هي وصف دقيق لمسار الإنسان حين ينتزع منه الوهم، ويترك عاريا أمام الحقيقة، النضج لا يولد من الأحلام التي تتحقق، بل من تلك التي تتكسر بلا رحمة أمام أعيننا، يأتي النضج عندما يصبح الخذلان أمرا اعتياديا، يأتي من اللحظة التي نكتشف فيها أن ما بنيناه في داخلنا لسنوات طويلة كان هشا لدرجة أكثر مما نتصور، وأن أقرب الوجوه التي احتمينا بها كانت هي أول من دفعنا نحو السقوط، حينها فقط سيبدأ شيء ما في التحرك داخلك، شيء موجع لكنه صادق.

التجارب المؤلمة لا تأتي دائما على هيئة كوارث صاخبة، أحيانا تأتي في صورة خذلان هادئ بعد صبر وأمل طويل، في كلمة عابرة من شخص كنت تراه جزءا من أمانك، في موقف يكشف لك أن البيئة التي نشأت فيها لم تكن حاضنة كما اعتقدت بل كانت سامة، بيئة تفرغك من ذاتك ببطء، تعيد تشكيلك بما يناسب خوفها وحدودها، لا بما يناسب حقيقتك، حين تنهدم أفكارك عن العائلة، الصداقة، الحب، العدالة، تشعر وكأنك فقدت الأرض تحت قدميك، وهذا الانهيار لا يعلمك فورا، بل يتركك مشوشا، غاضبا، ساخرا من كل ما آمنت به، لكن بعد هذا الفراغ القاسي ستبدأ عملية النضج الحقيقية، سوف تتوقف عن البحث عن المنقذ، وستدرك أن النجاة مسؤولية شخصية، لا منحة من أحد.

النضج هو أن يتعلم الإنسان الشك دون أن يتحول إلى شخص قاس، أن يعيد بناء قيمه بوعي، لا بوراثة عمياء، أن نعترف بأن بعض البيئات لا تصلحنا مهما حاولنا بقدر ما تهدمنا دون أن ندرك، أن بعض العلاقات تدمرك مهما قدمت، النضج أن تفهم أن الألم لم يكن عدوك، بل كان هو اللغة الوحيدة التي أجبرتك على الإصغاء إلى نفسك، بعد الهدم ستنضج لكنك لن تعود كما كنت، ستصبح أقل اندفاعا وأكثر حذرا، لكنك أصدق، ستقل توقعاتك من الآخرين، ستزداد مسؤوليتك تجاه ذاتك، ستفهم أن النضج ليس فقدان البراءة، بل استبدالها بالحكمة، وأن أقسى التجارب لم تأت لتكسرك، بل لتمنعك من أن تعيش العمر كله داخل وهم جميل لكنه مدمر، لا ينضج الإنسان حين يكسب، بل حين يخسر ما كان يتمنى، ما كان يظنه كل شيء؛ ويكتشف أنه ما زال قادرا على الوقوف من جديد.

NevenAbbass@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق