خطيب بدلة
مرة أخرى، أتناول علاقتنا، نحن السوريين، بالحرية. يعتقد كثير من أبناء بلدنا، بأن حصولهم على الحرية، بعد كل هذه التضحيات، يكفي لما كانوا يطلبون، ويزيد، يشاركهم، في هذا الاعتقاد، كثير من المثقفين.. وهذا، برأيي، قصور في التفكير، يصل إلى مستوى الخلل.
سأعطيك مثالًا. سألني صحافي، خلال مقابلة معي، عن الأدب الساخر. أراد أن يعرف كيف ينتقد الكاتب الساخر الظواهر الشاذة في المجتمع. ونظرًا لولعي بتحرير المصطلحات، حذرته تركيز الاهتمام على صفة “ساخر”، والقفز فوق السؤال الجوهري، وهو: هل الكاتب الساخر، الذي تسأل عنه، كاتب أولًا؟ يعني: هل هو متمكن من اللغة، قادر على الصياغة القوية، والتكثيف، وصولًا إلى قفلة بارعة، تدهش القارئ أو تبهره؟ إن الشخص الضعيف بالكتابة، إذا جرب أن يكون ساخرًا، سيكون أقرب إلى مفهوم “المسخرجي”، أو اللتات.
قياسًا على مثال الكاتب، والساخر، نستطيع أن نسأل: هل يجوز الحديث عن الحرية المتاحة في دولة، إذا لم تكن هذه الدولة دولة أولًا؟ بمعنى: هل هذه الدولة موحدة، ومستقرة، ومحكومة بالقانون، وبمبدأ المواطنة؟ يا سيدي، ولنفرض، من أجل تيسير الحوار، أن المساحة التي تسيطر عليها السلطة السورية الحالية، تعتبر دولة مكتملة، ومستقرة، هل الحرية متاحة فيها للجميع؟ هل حرية التعبير التي يتمتع بها المواطن “السني”، مثلًا، متساوية مع الحرية التي يتمتع بها الشيعي، والعلوي، والإسماعيلي، والمسيحي، والدرزي، والملحد؟
المصيبة، بل الكارثة التي حلت بنا، نحن السوريين، مؤخرًا، هي الطائفية. أصبحنا ننظر إلى المفاهيم، والمعايير، والنتائج، من خلال الطائفة، فالشخص “الطائفي/السني”، اليوم، يمتلك من الحرية أكثر مما يمتلك غيره من أبناء الطوائف الأخرى، سواء كانوا طائفيين، أو متعالين على الطائفية.. يمتلك حرية التنقل بين المدن والأرياف، والكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، والانخراط في مسيرات تأييد، يستطيع خلالها أن يهجو أبناء الأديان الأخرى، والقوميات الأخرى، والمذاهب الأخرى.. وللتذكير، قام رهط من هؤلاء بإطلاق هتاف “خيبر يا يهود”، ولوحوا بمقص الشوارب، ورفعوا صندوق البويا.. ولكيلا يظن بعضكم أن هذه الحرية (نفسها) متاحة على إطلاقها، أسارع إلى التوضيح، أنها متاحة، ومقبولة، ومرضي عنها، طالما أنها تتناغم مع أيديولوجيا السلطة، وسياساتها المتبعة، بدليل أن أفرادًا من “السنة”، سجنوا، لأنهم غردوا خارج هذا السرب، وقبل أيام شاهدت صورة لشاب، من مدينة سلقين، بثياب السجناء، مع خبر ينص على أنه سجن بسبب منشور له على “فيسبوك”، ينتقد فيه السلطة!
لا يمكن إحصاء أعداد الملحدين في الدول العربية، والإسلامية، لأن معظمهم يخفون إلحادهم خوفًا من العقوبة، ففي مصر، مثلًا، أصدر الأزهر إحصائية عجيبة، قال إن في مصر، كلها، 866 ملحدًا، فردت عليه ناشطة اجتماعية بأن هذا الرقم موجود بين طلاب الأزهر فقط! وهناك من يقول إن الرقم الحقيقي بالملايين..
أوردت هذا المثال، لأسأل، بمناسبة الحديث عن الحرية المزعومة: هل يجرؤ أحد من المتمتعين بالحرية السورية المزعومة أن يعلن إلحاده؟ هل يجرؤ أبناء الديانات والطوائف الأخرى، المجاهرة بالدعوة لمذاهبهم في الساحات العامة؟ إنها مجرد أسئلة، والإجابات عندكم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى













0 تعليق