خلال الشهور الماضية، ومع اندلاع احتجاجات في أكثر من دولة حول العالم، أبرزها بنغلادش وصربيا والأرجنتين، وإندونيسيا، ونيبال، والمغرب، وكان أبطالها من جيل «زد»، توقفت كثيرًا أتساءل عن الأجيال، وعن جيلي تحديدًا: ماذا يُسمّى؟ وأين يقف من كل هذا المشهد؟.
وفي لحظة اشتدت فيها آلام ظهري لتذكرني بأنني أصبحت عضوًا حديثًا في نادي الأربعين، وخفّ فيها الصداع النصفي تاركًا مساحة ضئيلة للتأمل والبحث، قررت أن أتعرف أكثر على جيلي، وعلى جيل «زد»، وعلى جيل ابنتي ليلى، المسمّى "ألفا".
ولمواكبة التطور، ذهبت إلى صديقي العزيز «شات جي بي تي»، الذي قام بجولات بحثية في ثوانٍ معدودة، وعاد مسرعًا حاملًا مئات المعلومات المدعومة بالمصادر عن هذه الأجيال.
وأتحفني صديقي حين حدثني عن أسماء الأجيال وسماتها وأنماطها الاجتماعية.
فبدأ بـ جيل مواليد 1928–1945
Silent Generation – الجيل الصامت
وهو جيل يتسم بالانضباط، والالتزام، واحترام السلطة، والتأثر العميق بتجربة الحرب العالمية الثانية.
ثم جيل مواليد 1946–1964
Baby Boomers – جيل طفرة المواليد
ويتسم بالعمل الجاد، والاستقرار الوظيفي، والقيم التقليدية، واحترام المؤسسات. وهو الجيل الذي عاصر ثورة يوليو، وارتبط وعيه السياسي ونمطه الاجتماعي بالقومية العربية وفكرة الدولة الوطنية القوية.
ثم جيل إكس – مواليد 1965–1980
جيل الإصلاحات الاقتصادية وبدايات العولمة والدعاية الإعلامية، ويتسم نمطه الاجتماعي بالتركيز على الخدمات والاحتياجات اليومية، والواقعية السياسية.
ثم جيل الألفية / جيل واي – مواليد 1981–1996
Millennials – Gen Y
وهو الجيل الذي أنتمي إليه، ويتسم بالمعرفة التكنولوجية، والمرونة، والاتجاه نحو الأعمال الحرة، والسعي إلى التغيير الاجتماعي. وغالبًا ما يُوصَف بأنه جيل متذبذب بين الإحباط والأمل، وإعادة التقييم.
وهنا صمتُّ قليلًا، وهمس صوتي الداخلي: «بقي قرمط بقي ألفية و واي، ومذبذب كمان؟! »
ثم عدت لأكمل القراءة. فجِيل الألفية يعشق التمرد، ورفع شعار التغيير، وقاد ثورة 25 يناير، ثم شارك في 30 يونيو. لديه نزعة نقدية واضحة، ويبحث دائمًا عن معنى ودور، ويرفض الخطاب التقليدي، لذلك لا يشارك في الحياة السياسية بانتظام، ويميل أكثر إلى المبادرات المجتمعية والعمل المدني.
Generation Z – ثم نأتي إلي جيل زد (مواليد 1997–2012)
وهو جيل وُلد رقميًا، وتشكّل وعيه عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. يتسم بسرعة التفاعل، فهو جيل المعلومات والذكاء الاصطناعي، ويشبه عصره في السرعة والبحث دون تدقيق كافٍ.
لا ينجذب للسياسة بمفهومها التقليدي، ويبحث عن «التيك أواي» في كل شيء: معلومة في فيديو قصير، إنفوجراف سريع، محتوى صاخب. مطلع أكثر على العالم، يتعامل بسهولة مع التطبيقات والمنصات الرقمية، وهو ما يفسر عدم فهمه للسياسات الحكومية، وعدم تعاطيه بجدية مع الانتخابات البرلمانية، وعدم استيعابه للبيانات الحكومية المعقدة.
ثم Generation Alpha – جيل ألفا (مواليد 2013)
جيل وُلد رقميًا أيضًا، يعرف كل شيء «قبل الأوان بأوان» على رأي الست سعاد حسني. يعتمد كليًا على الرقمنة، والتعلم البصري، ولديه فضول كبير للمعرفة والابتكار.
Generation Beta – أخيرًا جيل بيتا (مواليد 2025–2039)
وهو الجيل الذي سيولد في عالم تتسارع فيه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، وهو في الأساس جيل أبناء جيل الألفية وجيل زد.
وبجدية شديدة، وكما تعودت كإحدى بنات جيل الألفية أن أجمع بين الأدوات التقليدية وأدوات العصر التكنولوجية، قررت البحث بعمق، وقراءة الأبحاث العلمية، وتحليل المعلومات، باحثة عن إجابات حول التكامل بين الأجيال، ومدى فهم الحكومات في سياساتها للأجيال القادمة.
لكن الإجابات كانت صادمة...
نعم، صادمة.
فلولا الاحتجاجات، ومحاولات «طيور الظلام» استغلال هذا الجيل، لما التفت إليهم أحد. بل يرى كثيرون أنهم فارغون من المعلومات، مشتتو الذهن، محبوسون داخل قوقعة العالم الافتراضي، يمارسون التحديات، ويلعبون الألعاب الإلكترونية، ويتكسبون من عالم افتراضي محمّل بالأمراض والأوبئة الاجتماعية والتضليل المعلوماتي، ومعزولون اجتماعيًا عن الواقع.
لكنهم ليسوا كذلك… بل العكس تمامًا.
ولا يصح أن نتعامل معهم بهذا المنطق، وإلا خسرنا كثيرًا.
في مصر، يشكل جيل زد حاليًا ما يقرب من 20% إلى 25% من عدد السكان، وبحلول عام 2030 سيشكّلون مع جيل ألفا ما يقرب من حوالي 50 مليون نسمة من إجمالي التعداد السكاني.
لذلك، يجب أن يكون لجيل الألفية دور محوري، لأنه الأكثر حظًا بين الأجيال في الجمع بين التقليدية والحداثة، وفي تقريب المسافات وسد الفجوات.
كما يجب على الحكومة أن تغيّر من سياساتها التقليدية، وأن تتطور لتناسب أنماط هذه الأجيال، فالسّياسة التي لا تراعي الفروق الجيلية هي سياسة ناقصة التأثير.
فعلى مستوى السياسات العامة والقرارات التنفيذية، ينبغي أن تتضمن السياسات الحكومية برامج غير تقليدية، متطورة، تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مع تطوير الخطاب الحكومي ليتناسب مع الفئات العمرية المختلفة، والاهتمام بالتواصل والتفاعل، وفتح مساحات حقيقية للحوار والمشاركة.
كذلك تطوير أدوات التأثير، وإتاحة البيانات والمعلومات بشفافية، وتحديث أدوات التواصل الرقمي لتبسيط السياسات ووصولها إليهم، إلى جانب تطوير المناهج التعليمية لتشمل المواطنة الرقمية، والاهتمام بالمشروعات التكنولوجية، وريادة الأعمال.
وعلى مستوى التشريع، لا بديل عن تطوير البنية التشريعية لمواكبة التطور التكنولوجي، مثل تشريعات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وحرية تداول المعلومات، وحماية البيانات.
وأخيرًا، فإن جيل زد وألفا، مثل كل الأجيال عبر التاريخ، يبحثون عن الحرية، والشفافية، والعدالة الاجتماعية، وفرص العمل، ومساحات الإبداع والابتكار.
لكنهم مختلفون في أدواتهم، وتأثيرهم، وطريقة تشكيل وعيهم.
يحلمون بعالم أفضل...
لذلك: اسمعوهم، تفاعلوا معهم، وفروا لهم فرص التعليم والتدريب والتأهيل، وافسحوا لهم المجال في عالم رقمي فضائي مليء بالفوضى والتحديات… وأيضًا الفرص.
















0 تعليق