المدارس بين نزلات البرد وغياب الطلبة مع بداية موسم الشتاء

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتجدد مخاوف أولياء الأمور كل عام مع بداية موسم الشتاء، حين تبدأ نزلات البرد والأنفلونزا في التسلل إلى الصفوف الدراسية، وتحوِّل العطاس والسعال إلى قلقٍ يومي في أروقة المدارس. فبين طالب يعاني الحُمى وآخر يصرّ والداه على إرساله «حتى لا يفوته الدرس»، تجد الإدارات المدرسية نفسها أمام معادلة صعبة: كيف تحافظ على انتظام التعليم دون أن تتحول الفصول إلى بؤرٍ للعدوى؟

ورغم الرسائل المتكررة التي تحذّر من حضور الطلبة المرضى، لا يزال بعض الأهالي يعتبرون المرض مجرد «زكام بسيط»، غير مدركين أن هذا الزكام قادر على الانتشار بين عشرات الطلبة خلال أيام قليلة.

وحذّرت إدارات مدرسية خلال المرحلة القليلة الماضية من إرسال الطلبة إلى المدرسة في حال ظهور أي أعراض مرضية عليهم، مؤكدة أن سلامة المجتمع المدرسي أولوية تفوق أي اعتبارات أكاديمية. وأوضحت في مخاطبات رسمية وجّهتها إلى أولياء الأمور أن المدارس لاحظت خلال الأسابيع الماضية تزايد حالات الأنفلونزا والعدوى بين الطلبة، ما استدعى تعزيز الإجراءات الوقائية داخل الفصول والمرافق العامة.

شدّدت الإدارات على ضرورة التزام الأسر بإبقاء الطالب أو الطالبة في المنزل عند إصابته بالحمى أو السعال أو الزكام، وعدم الاكتفاء بإعطائه أدوية مهدئة وإرساله إلى المدرسة. كما ذكّرت بوجوب تقديم الأعذار الطبية الموثقة في حال الغياب، مشيرة إلى أن الغرض من هذه التعليمات ليس التضييق، بل حماية جميع الطلبة والهيئة التدريسية من تفشّي العدوى، وضمان استمرار العملية التعليمية في بيئة صحية وآمنة.
تباينت مواقف أولياء الأمور تجاه غياب أبنائهم بسبب المرض، بين من يرى في الغياب فرصة للراحة، ومن يعتبره تهديداً للتقييم والتحصيل.
تقول علياء مرهون، وهي أم لطالب بمدرسة عمر بن الخطاب عبر إحدى الجلسات الرقمية النقاشية إن «ضغط المناهج وسرعة الإيقاع الدراسي يجعلان الأهل في حيرة، فهم يخشون أن يفقد أبناؤهم دروساً مهمة أو تقييمات يومية بسبب الغياب. ونحاول تقدير الأمر، فإذا كان المرض بسيطاً أو مجرد زكام، نرسل الطفل إلى المدرسة ونطلب منه ارتداء الكمامة، لكننا لا نرغب في أن يطيل الغياب. وهذا السلوك أحياناً يسبب مشكلات لبقية الطلبة، حيث علمت أن ابن إحدى زميلاتي أُصيب بالعدوى من أحد الأطفال المرضى، بدأت أراجع قراري، وأدركت أن الغياب يومين أهون من غياب جماعي بسبب العدوى».

الغياب عقوبة غير مباشرة


وترى لطيفة المرزوقي، وهي ولية أمر، أن بعض المدارس يجب أن تكون أكثر مرونة في التعامل مع حالات المرض، موضحة «ابني أُصيب بالأنفلونزا في بداية الفصل، وعندما تغيّب ثلاثة أيام، فاته الكثير من الدروس والتطبيقات، ولم توفر المدرسة تعويضاً كافياً عبر المنصة الإلكترونية. لذلك يشعر الأهل أن الغياب عقوبة غير مباشرة، ما يدفعهم أحياناً لإرسال أبنائهم رغم المرض. ويجب أن تكون هناك سياسة موحدة وواضحة بين المدارس بشأن الغياب المتعلّق بالأسباب صحية، تُلزم المدارس بتوفير بدائل تعليمية رقمية للطلبة المرضى حتى لا يشعروا بالتأخر عن باقي زملائهم».

مرحلة تعاف طويلة


د. محمد شهيد باديار، اختصاصي طب الأطفال في مستشفى «ميدكير الملكي التخصصي»، يحذّر من التقليل من شأن نزلات البرد في البيئة المدرسية، موضحاً أن ذهاب الأطفال إلى المدرسة وهم في حالة صحية غير جيدة يُضعف المناعة ويطيل فترة التعافي.
ويقول «عندما يحضر الطفل إلى الصف وهو يعاني الحمى أو السعال، فإنه لا يتعافى بشكل صحيح، وغالباً ما يزداد مرضه سوءاً بسبب الإرهاق. كما يفقد تركيزه داخل الصف ويشعر بالتعب والانزعاج، مما يؤثر في تحصيله الدراسي».
ويضيف أن العدوى تنتشر بسهولة داخل الفصول المغلقة، مشيراً إلى أن «عطسة واحدة قد تنقل الفيروس إلى أكثر من طالب». وينصح الأهالي بإبقاء الطفل في المنزل، وتوفير الراحة الكافية له، لأن يومين من الراحة أفضل من أسبوع من المرض.
ويتابع «الحفاظ على ترطيب الجسم أمر حيوي، فالماء هو الخيار الأفضل، ويمكن تقديم الحساء أو المشروبات الدافئة كالعسل والليمون، مع عصائر طبيعية غنية بفيتامين C، وتجنب المشروبات الغازية أو المحلاة لأنها قد تزيد الجفاف».

خطر العدوي


د. عمرو الظواهري، استشاري طب الأطفال ورئيس قسم في مستشفى «ميدكير رويال» التخصصي بالقصيص، يرى أن إرسال الطفل المريض إلى المدرسة لا يضر بصحته فحسب، بل يهدد البيئة المدرسية بأكملها، قائلاً «حين يكون الطالب مصاباً بالبرد أو الأنفلونزا، فإن وجوده في الصف يُعرّض زملاءه والمُعلّمين لخطر العدوى. ومع الإرهاق وقلة النوم، يتراجع تركيزه ويصبح أكثر عرضة للمضاعفات مثل التهاب الشعب الهوائية أو الجيوب الأنفية».
ويحذّر من تجاهل الحمى أو الإرهاق الشديد، مشدداً على ضرورة مراجعة الطبيب إذا استمرت الأعراض أكثر من يومين. ويضيف: «من المهم أن يدرك الأهل أن الراحة علاج أساسي، وليست ترفاً. بقاء الطفل في المنزل يومين قد يمنع انتشار المرض بين عشرات الطلبة».
كما نصح بتقديم السوائل الدافئة والعصائر الطبيعية، وعزل الطفل المريض عن إخوته قدر الإمكان، مع الالتزام بغسل اليدين وتعقيم الأدوات المشتركة، مشيراً إلى ضرورة عدم استخدام المضادات الحيوية من دون استشارة طبية.

دوامة غيابات


د. حازم جرمانوس، أخصائي الطب الباطني في مركز «ميدكير» الطبي، يؤكد أن حضور الطالب المريض إلى المدرسة «يضر ولا ينفع». ويقول «عندما يذهب الطالب إلى المدرسة وهو مريض، فهو في الغالب لا يستفيد أكاديمياً لأنه مرهق ذهنياً وجسدياً، بل يطيل فترة مرضه. والأسوأ أنه قد يساهم في نقل العدوى لزملائه، مما يخلق دوامة من الغيابات والإصابات داخل الصف».
ويضيف أن الأطفال أكثر عرضة للإصابة بسبب ضعف مناعتهم، وسلوكاتهم العفوية مثل مشاركة الأدوات أو اللعب الجماعي. وضروري أن تبقى الثقافة الصحية جزءاً من التربية اليومية سواء في المنزل أو المدرسة.
ونصح بأن «الراحة والترطيب أهم علاج، والعصائر الطبيعية أو الشوربة الدافئة تساعد على التعافي بشكل أسرع من أي دواء إذا التزم الأهل بالعناية والمتابعة».

تحدٍّ متكرّر


في المقابل، يرى بعض المُعلّمين أن التوازن بين الحضور الأكاديمي وصحة الطلبة بات تحدياً متكرراً.
تقول هند أحمد، معلمة رياضيات في مدرسة خاصة بدبي «نتفهم خوف الأهالي من تراجع التحصيل، لكننا نرى على أرض الواقع أن وجود طالب مريض في الصف يُربك العملية التعليمية، ويعرّض زملاءه للخطر».
وتضيف «في بعض الأيام، نلاحظ انتشار السعال بين أكثر من نصف الصف بعد أسبوع واحد فقط من إصابة طالب واحد، وهذا يؤكد أن الوعي الصحي لا يزال بحاجة إلى تعزيز».
وتقترح هند تفعيل التعليم المرن للطلبة المرضى، من خلال تلقي الدروس عبر المنصات الرقمية، معتبرة أن «المرض لا يجب أن يتحول إلى عبء، بل إلى فرصة لتطبيق مفاهيم التعليم الذكي والرعاية المشتركة بين البيت والمدرسة».

وعي صحي مشترك


تجمع الآراء على أن الوقاية تبدأ من الوعي، وأن حماية البيئة المدرسية مسؤولية جماعية. وبين ثقافة «ما عليه، مجرد زكام» ووعي «لنحمي الآخرين»، تبقى الرسالة الأهم هي أن الغياب المؤقّت من أجل الصحة أفضل بكثير من حضورٍ ينشر العدوى ويهدد الجميع.
فالمدرسة ليست مكاناً للتعلم فقط، بل مساحة لحماية الجسد والعقل معاً، أيضاً. ومتى التزم الأهل والمدرسة معاً بالإجراءات الوقائية، يمكن للصفوف أن تبقى مليئة بالصحة، لا بالأعراض والعدوى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق