يُعد التدريب الميداني مرحلة أساسية في حياة الطالب الجامعي قبل التخرج، ويشكّل حلقة الوصل بين التعليم النظري والتطبيق العملي، حيث يُتيح التعرّف عن قرب إلى بيئة العمل، واكتساب مهارات تسهم في التأهيل للمستقبل المهني، لكن ورغم أهمية التدريب وتأكيد بعض الطلبة على الاستفادة منه بصورة كبيرة، إلا أن البعض الآخر واجهوا صعوبات مختلفة، منها قصر المدة وعدم التوافق مع التخصصات، وصعوبات أخرى كشفوا عنها لـ «الخليج». نستعرضها في التحقيق التالي، ونستعرض أيضاً مجموعة من الحلول وفقاً لرؤية الخبراء والمتخصصين.
في الوقت الذي يؤكد المستشارون التربويون أهمية تنظيم التدريب لطلبة الجامعات وربطه بالواقع العملي، فيما يشدد مديرو التوجيه الوظيفي على دور الجامعات في الإعداد والمتابعة لضمان جودة التجربة، أما الطلبة الذين يشكلون العنصر الأساسي في هذه العملية فلفتوا إلى حاجتهم إلى فرص حقيقية.
تجربة غنية
أعربت منى الجنيبي، طالبة في إحدى جامعات أبوظبي (تخصص علم النفس)، عن تقديرها للتجربة الغنية التي خاضتها خلال تدريبها الميداني في إحدى المؤسسات.
وأكدت أن المهام التي تولّتها خلال التدريب جاءت ضمن نطاق عمل الأخصائي الاجتماعي، وتنوعت بين التفاعل المباشر مع الطلبة ومقدمي الرعاية والمعلمين، إلى جانب الأعمال المكتبية كتوثيق البيانات والتقارير. وقالت: «كنا نؤدي دور الأخصائي الاجتماعي الحقيقي، ما أتاح لنا فهم الواقع العملي للمهنة بشكل أعمق».
وعن بيئة العمل، أشارت إلى أن استقبال الموظفين تفاوت بين الترحيب والحياد، إلا أن الفريق الاجتماعي تحديداً أبدى تعاوناً كبيراً وسعى لنقل المعرفة وتسهيل المهام.
أما التحديات، فلخصتها منى الجنيبي، من وجهة نظرها، قائلة: «قضينا أسبوعاً فقط في كل قسم، وهو وقت غير كافٍ لملاحظة السلوكيات أو دراسة التغييرات النفسية، ونحتاج إلى وقت أطول لفهم التفاصيل واكتشاف الثغرات والسعي إلى اقتراح حلول».
وأضافت: «نحتاج إلى فرص حقيقية للمشاركة في المهام الأساسية، بدلاً من استبعادنا بسبب مخاوف تتعلق بالسرية، فنحن متدربون ملتزمون ووقعنا على كافة السياسات المتعلقة بذلك».
عدد محدود
بعض جهات التدريب لا تستقبل سوى طالبين فقط من كل كلية، رغم توفر أقسام متعددة يمكنها استيعاب عدد أكبر من المتدربين، وهو ما أوضحته شما علي النعيمي، الطالبة من تخصص إدارة الأعمال في إحدى جامعات أبوظبي، وأعربت عن أملها في أن تقوم المؤسسات بفتح المجال أمام مجموعات أكبر من الطلبة، ليصل العدد إلى خمسة طلاب بدلاً من اثنين، الأمر لمنحهم فرصاً أوسع وخيارات أكثر تنوعاً عند التخرّج والتفكير في مساراتهم المهنية.
وأكدت أن توسيع نطاق القبول في برامج التدريب يعزز التجربة الميدانية، ويمكن الطلبة من اكتساب مهارات عملية أعمق، تواكب متطلبات سوق العمل المتغيرة.
فيما كشف مطر سعيد الزعابي، الطالب في تخصص الهندسة الكهربائية، إنه أتم فترة التدريب في جهة لا علاقة لها بتخصصه الدراسي، ولم يُضف له أي قيمة علمية أو عملية تُذكر.
وأضاف أن هذا الأمر حال دون استفادته من هذه المرحلة التي يفترض أن تعزز الجانب العملي في مسيرته الأكاديمية، مطالباً بضرورة تعزيز التنسيق بين الجامعات وجهات التدريب لضمان توافق البرامج التدريبية مع تخصصات الطلبة.
دروس عملية
مثلت بدايات فترة التدريب العملي تحدياً كبيراً بالنسبة لبعض الطلبة، وذلك بسبب كثرة المهام والمسؤوليات، ويكشف محمد خليفة الهوتي، الطالب في تخصص تكنولوجيا المعلومات بإحدى الجامعات الحكومية، أن هذه التجربة كانت غنية بالمواقف والدروس العملية، وساهمت في صقل مهاراته التقنية والاجتماعية، إلا أن التحديات التي واجهها في البداية تحوّلت إلى فرص تعلم ونمو.
وأضاف: «رغم صعوبة البدايات، إلا أنني تمكنت من إثبات جدارتي، وتم عرض وظيفة عليّ خلال فترة قصيرة من بداية التدريب، وأنني ممتن للفرصة التي أُتيحت لي، والتي كانت خطوة مهمة نحو بناء مستقبلي المهني في مجال تكنولوجيا المعلومات».
تدريب ميداني
قال محمد نظيف، المستشار التربوي والمطور التعليمي إن التدريب الميداني للمقبلين على العمل في القطاع التعليمي يمثل فرصة ثمينة لتجاوز رهبة الدخول إلى الميدان، والتعرّف عن قرب إلى أولويات العمل وآليات تنفيذه، خاصة وأن الواقع العملي يختلف جذرياً عما يتم تدريسه في قاعات الجامعات.
وأضاف أن التدريب يُكسب المتدربين مهارات حقيقية في التعليم والتواصل، ويتيح فهم الواقع العملي، ومن المهم أن يكون منظّماً ومبنياً على إجراءات واضحة وموحدة، لضمان تعظيم الاستفادة وتعزيز المهارات، وتسهيل التقاء تصوّرات المتدرب مع متطلبات العمل الفعلية. وأشار إلى أن تميز التجربة التعليمية في دولة الإمارات يتطور بوتيرة متسارعة تتطلب من الجامعات مواكبة هذا التقدم عبر إعداد خريجين يمتلكون كفاءات مهنية متقدمة، منوهاً إلى أن بعض الجامعات تبذل جهوداً كبيرة في دعم متدربيها، وتقوم بإيفاد أساتذتها لمتابعة الطلبة ميدانياً.
إعداد مبكر
هناك تحديات أساسية تواجه الجهة الإشرافية أثناء متابعة تدريب الطلبة، توضحها سيلفي فوس، مديرة قسم التوجيه الوظيفي في جامعة السوربون أبوظبي، قائلة إنها تتمثل في ضمان التناسق والجودة عبر التجارب التدريبية المتنوعة، خاصة تلك غير المعتمدة بأرصدة أكاديمية، أما التدريبات المعتمدة، فهي تخضع لإشراف كامل وتشمل تقارير وتقييمات من جهات التوظيف تُستخدم في التقييم الأكاديمي.
وأضافت أن من بين التحديات الأخرى ضمان جودة موحدة عبر مختلف البرامج، خاصة مع توسّع فرص التدريب، وأن الجامعة تعمل على تعزيز آليات المتابعة والتقييم، وتوسيع الشراكات مع جهات التوظيف لضمان توفير بيئات تدريبية غنية بالفرص التعليمية، كما تسعى إلى بناء نماذج إشراف مرنة توازن بين المتطلبات الأكاديمية واحتياجات سوق العمل المتغيرة.
وأكدت أن التدريب العملي يمثل نقطة التحول بين التعليم الأكاديمي والخبرة المهنية وإنها مرحلة استراتيجية تحرص فيها الجامعة على تمكين الطلبة من تطبيق المعارف النظرية في بيئات عمل حقيقية، ما يسهم في تطوير المهارات الشخصية والمهنية الأساسية مثل حل المشكلات، العمل الجماعي، والتفكير النقدي، ما يتحول إلى خطوة أولى في بناء مسار وظيفي فعلي.
سنة التأسيس
أوضحت سيلفي فوس، أن إعداد الطالب قبل خروجه إلى سوق العمل أمر مهم، وهي مرحلة تبدأ من اليوم الأول خلال سنة التأسيس، وذلك من خلال ورش عمل لتعزيز مهارات التوظيف، ومحاضرات وجلسات إرشاد مهني، وعلى مدار سنوات الدراسة، يشارك الطلاب في أنشطة عملية متنوعة تشمل مراجعة السير الذاتية، تقييم ملفات مواقع توظيف موثوقة، مقابلات تجريبية، ووحدات تدريبية مثل «مستكشف المسار المهني».
أما بالنسبة للتدريبات المعتمدة، فالإعداد يكون أكثر كثافة، ويشمل جلسات إلزامية حول الجوانب القانونية، وآداب بيئة العمل، وتوقعات الأداء.
أنضج المراحل
أكد محمد نظيف، المستشار التربوي والمطور التعليمي ضرورة إتاحة الفرصة للطلبة لتنفيذ بحوث إجرائية ترتبط بالتجربة الميدانية التي خاضوها، خاصة أن فترة ما بعد التدريب وقبل التخرج من أنضج المراحل، حيث تجمع بين المعرفة الأكاديمية والخبرة العملية.
هيكل إشرافي
أكدت سيلفي فوس، مديرة قسم التوجيه الوظيفي في جامعة السوربون أبوظبي أن التدريب العملي يُعد امتداداً للعملية التعليمية، وأن الجامعة تحرص على دعمه عبر هيكل إشرافي متكامل، حيث يقوم مركز الوظائف بمتابعة دورية مع الطلاب ويقدّم استشارات عند الحاجة.


















0 تعليق