عنب بلدي – مارينا مرهج
حققت المؤسسة السورية للمخابز وفرًا يوميًا يقارب 1000 طن من الطحين في جميع المخابز العامة والخاصة المدعومة، نتيجة سياسات اتبعتها خلال عام 2025 للحد من الهدر، وتحسين كفاءة الإنتاج، ومكافحة الفساد في الأفران على مستوى سوريا.
وتقدّر القيمة السوقية لهذا الوفر بأكثر من 110 ملايين دولار سنويًا، وهو ما أسهم في تعزيز الأمن الغذائي، وتحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين، إضافة إلى تخفيف الضغط المالي عن خزينة الدولة، دون المساس بكميات الخبز المقدمة للسكان.
آليات تحقيق الوفورات
قال مدير مديرية التخطيط والإحصاء والتعاون الدولي في المؤسسة السورية للمخابز، محمد عبد السميع الأعرج، لعنب بلدي، إن الهدف الأساسي من الإجراءات لم يكن تحقيق وفورات مالية مباشرة، وإنما الحد من هدر الطحين والمواد المدعومة بما يعزز المال العام ويخفف الضغط عن خزينة الدولة.
وقد تم ذلك من خلال جملة من الخطوات التنظيمية والفنية أبرزها:
- تشديد الرقابة على إنتاج وتوزيع الخبز لمنع أي تسرب أو هدر.
- اعتماد آليات دقيقة لتقدير الاحتياج اليومي لكل منطقة بما يتناسب مع الكثافة السكانية.
- ضبط كميات الطحين والخميرة والمواد الداخلة في الإنتاج وفق معايير فنية مدروسة.
- تحسين كفاءة التشغيل في المخابز العامة والخاصة والحد من الأعطال والهدر الفني.
وأشار الأعرج إلى أن هذه الإجراءات أسهمت في تقليل الهدر ومنع تسرب المواد المدعومة، ما انعكس إيجابًا على المال العام، دون أن يعني ذلك تحقيق وفر مالي نقدي مباشر.
معالجة الخروقات السابقة
كشف الأعرج أن الخروقات السابقة كانت سببًا رئيسًا في هدر الطحين والمواد المدعومة، وأبرزها:
ضعف الرقابة على خطوط الإنتاج وعدم الالتزام بالوزن النظامي للربطة.
استجرار كميات من الطحين تفوق الحاجة الفعلية لبعض الجهات أو المناطق.
سوء التخزين والنقل مما أدى إلى تلف جزء من الطحين.
عدم دقة البيانات الإحصائية المتعلقة بعدد المستفيدين الفعليين.
غياب المتابعة المستمرة لبعض المخابز، ما أتاح تسرب المواد دون مردود فعلي.
إدارة توزيع القمح بين الإنتاج والاستيراد
قال مدير المؤسسة السورية للحبوب، حسن عثمان، لعنب بلدي، إن القمح يوزَّع حاليًا على المحافظات وفق الاحتياجات الفعلية، سواء على مستوى الصوامع أو المطاحن، حيث يجري طحن ما يقارب 140 ألف طن شهريًا، بينما تتراوح الكميات الموزعة بين 115 و120 ألف طن بحسب الحاجة.
وأضاف عثمان أن المؤسسة تعتمد على خلط القمح، بما في ذلك القمح البلدي القاسي، ضمن خلطات محددة تهدف إلى تحسين جودة الطحين.
وبيّن أن الأمن الغذائي لا يقوم على الاكتفاء الذاتي الكامل، بل يعتمد في الوقت الراهن على الاستيراد المضمون، في ظل غياب الاكتفاء الذاتي الحقيقي الذي يتحقق عبر السوق المحلية ومن خلال شراء المحاصيل من المزارعين، وذلك يختلف عن مفهوم الأمن الغذائي بوصفه حالة مؤمنة ومستقرة، وهو واقع تشترك فيه نحو 90% من دول العالم.
أثر الإجراءات على الأمن الغذائي
مثّلت هذه الإجراءات نموذجًا عمليًا على كيفية تحسين إدارة الموارد الأساسية، وتقليل الهدر، مع الحفاظ على حقوق المواطنين في الحصول على الخبز المدعوم، فقد ساعدت في رفع جودة الرغيف وتوفيره بالكميات الكافية لجميع السكان، وتخفيف أعباء الدعم المالي عن الدولة، ما عزز استدامة الموارد العامة، وكفاءة الأداء المؤسسي من خلال تدريب الكوادر وتطوير خطوط الإنتاج.
ويرى أمين سر “جمعية حماية المستهلك”، عبد الرزاق حبزة، أن هناك عوامل متعددة أسهمت في ما يوصَف بالوفورات في مادة الطحين، ويأتي في مقدمتها تحسن جودة رغيف الخبز، إذ إن الرغيف الجيد يحد بطبيعته من حالات الهدر، بعكس الخبز منخفض الجودة الذي غالبًا ما يرمى أو يستخدم لغايات غير استهلاكية.
إلى جانب ذلك، أدى ارتفاع سعر الخبز إلى تقليص الكميات التي يشتريها المواطن ويحتفظ بها، ما انعكس تراجعًا في حجم الطلب، كما أن باعة الخبز في الأسواق يشترون كمياتهم بأسعار مرتفعة نسبيًا، الأمر الذي يقلل الطلب من قبلهم على الخبز من داخل كوات البيع الرسمية.
عامل آخر لا يقل أهمية يتمثل في استخدام الخبز كأعلاف، وهو أمر بالغ الخطورة، بحسب حبزة، إذ إن الحد من استخدام الخبز في الأعلاف يخفف الضغط عن هذه المادة، كما أن تحسن جودة الخبز وارتفاع سعره أسهم في تقليص اللجوء إلى استخدامه كعلف، بعدما بات أقل ملاءمة لهذا الغرض، ما دفع المربين إلى الاستعاضة عنه بأنواع أخرى من الأعلاف غير الخبز.
ولفت حبزة إلى أن لتقسيم الخبز إلى سياحي وتجاري وتمويني أثرًا واضحًا، إذ جرى إلغاء قسم من الخبز التمويني وتحويله إلى خبز تجاري بسعر أعلى من السعر التمويني، ما حمّل المستهلك أعباء مالية إضافية للحصول على الخبز الذي لم يعد قادرًا على تأمينه من القنوات التموينية.
هذه التقسيمات أسهمت في تحقيق وفورات في كميات الطحين، لكنها جاءت على حساب المواطن، من خلال تحميله تكاليف إضافية وزيادة العبء المعيشي عليه.
ونوه أمين سر الجمعية إلى أنه في المدى المستقبلي، تكمن الخطورة الأساسية في الاعتماد المتزايد على الاستيراد، الأمر الذي يستدعي التوجه نحو استثمار الأراضي الزراعية المتاحة، ودعم الفلاحين عبر تأمين مدخلات الإنتاج الأساسية، مثل الوقود والأسمدة والمبيدات، إضافة إلى تكاليف العمالة والنقل، باعتبار أن جميع هذه العناصر تؤثر بشكل مباشر في تكلفة الإنتاج الزراعي.
حالة المخابز
ارتفع عدد المخابز العاملة في سوريا إلى 288 مخبزًا، بعد أن كان عددها 217 مخبزًا، معظمها يعاني من ضعف في البنية التحتية، وأعطال في خطوط الإنتاج، بالإضافة إلى هدر كبير في الطحين والمواد المدعومة.
التوسع في العدد شمل تأهيل البنية التحتية وتشغيل المخابز المتوقفة عن العمل لتلبية الاحتياجات المتزايدة في سوريا، وذلك ضمن محاولات وزارة الاقتصاد والصناعة والمؤسسة السورية للمخابز لتوسيع نطاق الخدمة وتحسين جودة الخبز.
فقد سعت المؤسسة إلى إعادة تأهيل المخابز على نطاق واسع، إذ أعيد تشغيل 52 مخبزًا بشكل كلي أو جزئي بعد إجراء أعمال صيانة وتجهيز خطوط الإنتاج.
بالإضافة إلى ذلك، دخل 56 مخبزًا كان متوقفًا عن العمل قبل التحرير حيّز الخدمة بعد تأهيلها، ما أسهم في رفع الطاقة الإنتاجية وتأمين توفير الخبز للمواطنين بكفاءة أعلى.
وتضمن التطوير الفني تحديث خطوط الإنتاج، فقد تم تركيب 40 خط إنتاج جديدًا، وإدراج 80 خط إنتاج إضافيًا ضمن خطة المؤسسة لاستبدالها وتحسين كفاءتها.
أسهمت هذه الخطوات في تحسين جودة رغيف الخبز بنسبة 70%، وتقليص الهدر في المواد الأولية من 27% قبل التحرير إلى نسب أقل بعد تطبيق الإجراءات الجديدة، ما انعكس إيجابًا على كفاءة الاستهلاك وتقليل الدعم المالي المطلوب.
الرقابة والضبط المالي والتدريب
عززت المؤسسة من إجراءات الرقابة لضمان الامتثال للمعايير وتقليل الفاقد، لمنع الهدر خلال مراحل الإنتاج والنقل، وضبط كميات الطحين والخميرة والمواد الداخلة في الإنتاج وفق معايير فنية دقيقة، من خلال تنفيذ 2,925 جولة رقابية بعد التحرير على المخابز والمطاحن.
كما أنجزت 52 مشروعًا بالتعاون مع المنظمات المحلية والدولية لدعم جودة الإنتاج وتحسين معايير التشغيل.
وركزت المؤسسة، لضمان استدامة الكفاءة، على تأهيل كوادرها، فقد تم تنفيذ 18 دورة تدريبية للموظفين والعاملين في المخابز، استفاد منها 119 موظفًا، ما ساعد على رفع مهاراتهم في مراقبة الإنتاج وتطبيق المعايير الفنية وتجنب الهدر.
شكّل الخبز المدعوم في سوريا على مدى سنوات أحد أكثر الملفات حساسية، في ظل تراجع الإنتاج المحلي من القمح، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وتضرر البنية التحتية للمخابز والمطاحن نتيجة الحرب.
وخلال فترات سابقة، عانى هذا القطاع من اختناقات متكررة، وتفاوت في جودة الرغيف، إضافة إلى انتشار الهدر والتسرب والفساد في بعض حلقات الإنتاج والتوزيع، ما شكّل عبئًا على خزينة الدولة، وهدد استقرار الأمن الغذائي لملايين السوريين.















0 تعليق