ارتفعت أسعار الذهب في سوريا، بعد ظهر اليوم الثلاثاء، 30 من كانون الأول، بمقدار 20 ألف ليرة للغرام الواحد، من عيار 21 قيراطًا، مقارنة بالسعر الذي سجله صباحًا، والذي بلغ 1,470,000 ألف ليرة سورية، إذ حددت جمعية الصاغة في نشرتها الثانية اليوم سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطاً بمليون و490 ألف ليرة مبيعاً، ومليون و460 ألف ليرة شراءً.
تزامن هذا الارتفاع مع انخفاض سعر الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي ليتراوح بين 11,850 و 11,900 ليرة سورية في شركات الصرافة، وفق ما رصدته عنب بلدي عصر اليوم، في حين حددته شركة المحروقات السورية بـ 12,000 ليرة، للبيع في الكازيات.
وبلغت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، لحظة كتابة التقرير 11.960، بحسب موقع الليرة اليوم.
ويرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم أن الاقتصاد العالمي يشهد منذ أشهر موجة صعود لافتة في أسعار الذهب، تجاوزت فيها الأونصة عتبات تاريخية جديدة. ويشدد على أن هذا الارتفاع يأتي في ظل مزيج من الضغوط التضخمية، وتراجع الثقة النسبي بالعملات الورقية الكبرى، ولا يمكن قراءته بمعزل عن ديناميكية الدولار الأمريكي نفسه.
ويقدم السلوم، إيضاحات بأنه كلما زادت التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية أو تعمقت الشكوك حول استدامة المديونية الأمريكية، يميل المستثمرون إلى إعادة موازنة محافظهم من الأصول الدولارية نحو الذهب بوصفه ملاذًا آمنًا، في المقابل، عندما يتماسك الدولار أو تزداد جاذبية عوائده، يتباطأ صعود الذهب أو يتعرض لتصحيحات مرحلية، لكنها لا تلغي الاتجاه الطويل الأجل الذي تعززه حالة اللايقين الجيوسياسي والمالي عالميًا.
ولفت الباحث، إلى أنه في اقتصاد هش كالحالة السورية، لا يبقى هذا المشهد الخارجي مجرد أرقام في نشرات الأسواق، بل يتحول إلى عامل ضغط مباشر على العملة المحلية، مبينًا أن ارتفاع الذهب عالميًا يعني عمليًا ارتفاع تكلفة التحوط الفردي داخل سوريا، حيث يلجأ المواطنون والتجار إلى تحويل مدخراتهم القليلة إلى ذهب أو دولار هرباً من تآكل القوة الشرائية لليرة.
ويشدد السلوم على أنه مع كل موجة صعود جديدة في أسعار الذهب، يرتفع البعد النفسي لفقدان الثقة بالعملة الوطنية، فيتسارع الطلب على العملات الصعبة، ويتعمق الفارق بين السعرين الرسمي والموازي، لتدخل الليرة في حلقة تغذية راجعة سلبية يصعب كسرها بالأدوات النقدية التقليدية وحدها.
سوريا تبدّل عملتها
كشف الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وحاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، عن العملة السورية الجديدة، التي تضمنت ست فئات، وذلك خلال حفل في قصر “المؤتمرات” بدمشق مساء الاثنين 29 من كانون الأول.
وأكد الشرع أن مرحلة التحول “حساسة” و”دقيقة”، وأهم عامل فيها عدم حدوث حالة “فزع” بين الناس، وألا تسارع لرمي العملة القديمة واستبدالها بالجديدة، فكل من يحمل عملة قديمة سيُعمل على استبدالها بالجديدة، ولذلك لا داعي للإلحاح على تبديلها لأن ذلك قد يضر بسعر صرف الليرة السورية.
العملة الجديدة ستسهل عمليات التداول في البيع والشراء وتقلل الاعتماد على الدولار، وتعزز الثقة بالاقتصاد على المدى الاستراتيجي، بحسب تعبير الشرع.
“نحتاج إلى ثقافة جديدة في أثناء تبديل العملة بأن نجرّم عملية المضاربة الوهمية من قبل المنتفعين، ونوفر السيولة بشكل تدريجي لا يؤثر على حالة التضخم”، قال الشرع.
كما أشار إلى الحاجة لحالة من الهدوء في استبدال العملة، مشيرًا إلى أن المصرف المركزي أوضح أن ذلك سيتم وفق جدول زمني محدد.
وكان مصرف سوريا المركزي أعلن عن إطلاق الليرة السورية الجديدة مطلع كانون الثاني 2026، بعد حذف صفرين من العملة المتداولة، عقب إصدار الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المرسوم رقم “293” لعام 2025، القاضي باستبدال العملة الوطنية ومنح المصرف المركزي صلاحيات كاملة في تحديد آليات التطبيق وجدول الاستبدال وضخ الفئات الجديدة في الأسواق.
الظروف المحلية
يتشابك هذا البعد الخارجي مع واقع سياسي داخلي شديد التعقيد، وفقًا لسلوم، فالاضطرابات الأمنية في بعض المناطق، وتعثر مسارات التفاهم بين الجهات المختلفة، كلها عوامل تعيد إنتاج صورة بلد لم يحسم بعد شكل استقراره السياسي النهائي، مضيفًا أنه في مناخ كهذا، تصبح قرارات الاستثمار رهينة الترقب وانتظار وضوح المشهد، كالمشاريع المؤجلة، وخطوط الإنتاج المتوقفة عن التوسع، ورؤوس الأموال المهاجرة أو المترددة في العودة، كلها ترسل إشارة إضافية إلى سوق الصرف بأن المستقبل غير محسوم، ما يزيد الضغط على الليرة مقابل الدولار.
ويخلص السلوم، إلى أن سعر صرف الليرة يبدو اليوم نتيجة تفاعل ثلاثي المستويات:
- تضخم خارجي يدفع الذهب صعودًا ويضعف الثقة بالعملات الورقية.
- دولرة متنامية في الاقتصاد السوري تسعى لحماية المدخرات.
- بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة تؤجل تفعيل الاستثمارات المنتظرة.
ويؤكد أنه في غياب مقاربة شاملة تربط الاستقرار النقدي بمسار إصلاح سياسي ومؤسسي حقيقي، سيبقى أي تحسن في سعر الصرف هشًا، معرضًا للاهتزاز مع كل موجة جديدة من القلق العالمي أو الاضطراب المحلي.
ومن هذا المنظور، لا يتوقع سلوم، أن يكون لإصدار أي عملة سورية جديدة، بحد ذاته، تأثير جوهري على سعر الصرف، ما دامت المحركات الأساسية للضعف النقدي، والمتمثلة في البيئة الاقتصادية الكلية والسياسية، لم تشهد تحولًا هيكليًا حقيقيًا.
سوريون يتجون نحو “دولرة” مدخراتهم
تعيش الأسواق حالة ترقب مع طرح العملة السورية الجديدة وحذف صفرين منها، وهو ما ينعكس على سلوك الأفراد تجاه مدخراتهم، إذ قد يتم التوجه إلى البحث عن ملاذات تعتبر أكثر أمانًا، كالدولار الأمريكي.
السلوك الذي يتكرر عند كل تحول نقدي كبير، يعكس حجم القلق المتراكم نتيجة تجارب سابقة اتسمت بعدم الاستقرار النقدي وغياب الوضوح في السياسات الاقتصادية.
وبين مخاوف من انفجار تضخمي محتمل، وآمال بتحسن الثقة بالعملة المحلية، يفتح هذا التوجه بابًا للنقاش حول الآثار الاقتصادية لهذه الخطوة، ودور الحكومة والمصرف المركزي في إدارة المرحلة المقبلة.
يعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي مجدي الجاموس، أن توجه الناس نحو الدولار سلوك مفهوم وطبيعي في ظل الظروف الحالية، مؤكدًا أن توقيت عملية تبديل العملة هو العامل الأهم في تحديد نتائجها.
وقال الخبير في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه العملية قد تؤدي إلى انفجار في معدلات التضخم، كما قد تفضي في المقابل إلى انخفاض أسعار الدولار في حال عززت الثقة بالعملة المحلية، لكن الناس، بحسب الجاموس، يفضلون “الملجأ الأكثر أمانًا”، وهو الدولار، لتجنب الخسائر المحتملة أو المغامرة بالحفاظ على مدخراتهم بالليرة السورية في مرحلة يحيط بها الكثير من عدم اليقين.
وأضاف أن احتمالات التضخم المرتفع أو تحسن قيمة الليرة تبقى مفتوحة، لكن صغار المدخرين تحديدًا لا يرغبون في “القمار” بمدخراتهم، بحسب تعبيره.
ويتفاقم هذا القلق في ظل حالة اللغط المتوقعة خلال فترة تبديل العملة، خاصة مع وجود عدم استقرار أمني وسياسي، ما يدفع الناس، رغم أهمية العملية، إلى البحث عن وسيلة تحميهم من الصدمات المحتملة.
ويتفق الباحث الاقتصادي محمد علبي مع الخبير مجدي الجاموس حول مخاوف الناس من تزعزع الأسعار عند تبديل العملة وحذف الصفرين، معتبرًا إياها مخاوف محقة ومفهومة، وليست مبالغًا فيها.
ويعزو ذلك إلى أن التجربة النقدية السابقة في سوريا اتسمت بعدم الاستقرار وغياب الشفافية، ما يدفع الناس اليوم إلى التصرف بمنطق حماية مدخراتهم.
ويرى أن طرح عملة جديدة من دون سياسة واضحة لسعر الصرف أو إطار نقدي معلن يجعل اللجوء إلى الدولار سلوكًا دفاعيًا طبيعيًا، وليس حالة هلع.
“كتل نقدية ضخمة بحوزة الناس”
ولفت الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي مجدي الجاموس، إلى وجود كتل نقدية ضخمة مخزنة لدى الناس، تقدر بنحو 40 تريليون ليرة سورية، إضافة إلى أموال مزورة، قد تخرج إلى التداول دفعة واحدة خلال مرحلة تبديل العملة، هذا الخروج المتزامن، مع انخفاض الطلب على الليرة وتحول الناس إلى الدولار، قد يؤدي إلى زيادة عرض الليرة بشكل حاد، ما يرفع من احتمالات حدوث انفجار تضخمي، وهو ما يعبر الجاموس عن تخوفه الشديد منه.
ويرى أن من المنطقي، في حال لم يتم ربط الليرة بعملة مستقرة، أن تنتظر الحكومة دعمًا نقديًا من دول شقيقة وصديقة للمساعدة في امتصاص فائض العرض من الليرة، وإعادة تفعيل دور المصرف المركزي كمتدخل أساسي لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف.











0 تعليق